ضحايا مطابخ صناعة الموت .

 

في 2016م توقف المصنع المحلي عن إنتاج الأسطوانات بسبب نفاد المواد الخام
الاستبدال اليدوي لصمامات الأسطوانات من قبل المستهلكين لعب دوراً في المشكلة
70% من حوادث الحروق سببها تسرب الغاز من الأسطوانات التالفة
عام 2009 أصدر مجلس الوزراء قراراً باستبدال 4 ملايين أسطوانة
70% من أسطوانات الغاز المتداولة تشكل خطراً والاستيراد قليل جداً

لا يدفع المواطن ثمن الأسطوانة والغاز من ماله، ووقته وأعصابه فحسب؛ بل تصعد روحه مع دخان احتراق جسد أمه وشظايا انفجار أسطوانة غاز في وجه زوجته وجده ويخسر أطفاله وممتلكاته وحياته إن لم يحالفه الحظ بأسطوانة غاز آمنة وذات رائحة نفاثة.. لا عجينة، حجرة أو منشفة مبللة ولا تبديل صمام غاز في البيت سيمنع قنبلة موقوتة من الانفجار.. لتبدأ المأساة (ضحايا مطابخ صناعة الموت )..

الثورة /سارة الصعفاني – رجاء عاطف

في واقع يتربص بالمواطن الموت من كل اتجاه لنحاول ما استطعنا أن نصنع حياة لا أن نفجر البيوت من المطابخ فكان لزاماً أن نتحدث مع المختص م. أنس المجاهد مدير الدائرة الفنية في الشركة اليمنية للغاز حول أسطوانات الغاز .. الصيانة والصناعة.. الاستيراد .. والعبث مع المتفجرات، والكلام له: وفي العام 2016م خضعت أسطوانات الغاز للفحص والصيانة كآخر مرة وبالطبع ليس فحصاً مطلقاً لجميع الأسطوانات؛ فعملية الصيانة تعني سحب الأسطوانات التالفة من السوق وفقاً لقدرة مخصص الإهلاك أي (المبالغ المخصصة لمواجهة أعمال الصيانة والاستبدال للأسطوانات )، وحالياً تورد هذه المبالغ إلى صافر ضمن قيمة الغاز مقابل صيانة أسطوانة الغاز وفقاً للمعايير الفنية لتعاد إلى السوق أما التالفة لا بد من « الكبس» وشراء أسطوانة جديدة بديلة لها».
وعن مصنع الغاز والاستيراد والمنافذ قال متابعاً كلامه: «وفي العام ذاته 2016م توقف آخر إنتاج محلي للأسطوانة نتيجة توقف المصنع بسبب نفاد المواد الخام وفرض الحصار على البلد من جميع المنافذ، ومنع دخول الحديد.. وبالنسبة للاستيراد فإن تجار الحروب انتهزوا الفرصة ويستغلون الوضع الذي تمر به البلاد باستيراد اسطوانات وصمامات صينية رديئة ملموسة في السوق بالإشكاليات الناجمة عنها وتعاني منها شركة الغاز».
وفي رده على سؤال .. لماذا لم يعد المواطن يرى أسطوانة جديدة ؟! قال مدير الدائرة الفنية : «الإمكانيات معدومة لشراء أسطوانات جديدة من الخارج خاصة بعد توقف المصنع اليمني للغاز عن الإنتاج وذهاب مخصص الاهلاك إلى صافر، ومخزون الشركة من الأسطوانات الجديدة قليل جداً توزعه الشركة للمواطنين عبر محطات الغاز».
وعن مصير الأسطوانات التالفة والمتهالكة يقول م. أنس: «قامت الشركة بمخاطبة الجهات الحكومية المختصة والمعنية بتوفير الدعم المالي لصيانة (100) ألف أسطوانة، والإعداد لخطة عن كيفية صيانة وسحب الكمية المتهالكة من السوق بما يكفل التخفيف من خطر الأسطوانات التالفة المتداولة .. وبالتوازي البحث جار عن حلول جذرية لمعالجة الاشكالية إذ أن هناك منظومة من الحلول التي تسعى الشركة من خلالها إلى إيجاد معالجة جادة لهذه الإشكالية التراكمية منذ بداية استلام الشركة لمهام الصيانة من شركة النفط لكن لا بد من مشاركتنا المسؤولية».
ولمعرفة ما أحدثه توقف المصنع اليمني للغاز قال م. المجاهد: مما لا شك فيه بأن عودة الإنتاج المحلي سيحل جزءاً كبيراً من مشكلة الاسطوانات المتهالكة؛ كون الأسطوانات والصمامات الصينية لعبت الدور الأكبر في تسارع الهلاك والتلف للأسطوانات بسب عدم صمودها في نطاق التداول لفترة أكثر من سته أشهر, ولا مجال للمقارنة مع الأنواع التي تزيد فترة تداولها عن 30 سنة بل ما زال البعض منها في حالة جيدة.
ويؤكد المختص في شركة الغاز»أن الاستبدال اليدوي لصمامات أسطوانات الغاز من قبل المواطنين والمستفيدين أيضًا لعب دوراً في إتلاف الأسطوانات ، وقال إنها سبب معظم المخاطر التي تحدث في السوق».
طرحنا القضية على الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة المعنية أيضًا بالقضية – لمعرفة دورها في فحص الأسطوانات والصمامات المستوردة ومراقبة المنافذ والإشراف على المصانع الوطنية – إلا أن مختصًا في الهيئة رفض التحدث .. ولا نعرف لماذا لم يصلنا الرد من الموظف المكلف من رئيس الهيئة ؟.
من قلب وجع وصرخات ضحايا الانفجارات والشاش الأبيض وصدمة الفاجعة في مركز الحروق والتجميل بالمستشفى الجمهوري التقينا الطبيب د. صالح الحيظاني- مدير المركز حيث قال:
«تشكل الحروق الناتجة عن الغاز وتسربه النسبة الأكبر 70 % من حالات الحروق منذ افتتاح المركز عام 2005م ، حيث كان لدينا العام الماضي (259) حالة، اضطرت ( 199)حالة منها للرقود في العناية المركزة».
وعن الكلفة العلاجية الجسدية والنفسية للمصابين بالحروق تحدث الدكتور الحيظاني قائلاً: «العلاج الجسدي للمريض المصاب بالحروق بسبب الغاز أو غيره مُكلف جداً في العالم ،والتأمين والدولة هما من يتكفلان بالعلاج لإنقاذ حياة من تعرض للحريق مباشرة، ويكلف علاج المريض في الدول المتقدمة مبلغ ( 300-500دولار) يومياً لكن في بلادنا الكلفة مرتفعة من 30-50 ألف ريال ويستغرق العلاج فترة ؛ لأن هناك حالات حرجة تحتاج مضادات حيوية مرتفعة الكلفة ومعدومة أحياناً كالألبومين حيث لم يعد متوفراً وإن وجد فالأسعار أصبحت خيالية ؛ كمثال يحتاج المريض لهذه المادة مرتين في اليوم بمعنى أنه يجب دفع 50 ألف ريال فقط قيمة الألبومين ومضاد حيوي كبسولتين في اليوم بمبلغ يتجاوز العشرة آلاف ريال فضلاً عن الحاجة لــ « المجارحة « يومياً أو كل يومين حسب نسبة الحروق والعدوى ودرجة الخطورة، وهناك حالات تستدعي العلاج في العناية المركزة بتكلفة أكثر من 100 – 150 دولار يومياً، وحتى البقاء في القسم أو رقود له كلفته المادية.
وكجانب نفسي لا شك أن المصاب يتعرض إلى حالات نفسية تتطلب العلاج ؛ لأن المريض يصاب بالجروح « تشوهات «التي تؤثر في النفسية وبالأخص المرأة قد يتغير مسار الحياة .. وللأسف إنها الأكثر عرضة للحروق في المنزل».
وفي رده على سؤال حول مدى إمكانية اليمن في الجانب التجميلي قال الدكتور الحيظاني: «بالنسبة للعمليات التجميلية والإصلاحية الناتجة عن الحروق الإمكانيات جيدة فبالإمكان زراعة جلد وفك شدود الأصابع والمفاصل ونقل أنسجة وشرائح جلدية مع العضلات والعظم.. ونرجو السلامة للجميع».
وعن وجود جهات داعمة قال مدير المركز: «يدعمنا صندوق المعاقين عمليات وعلاج، وحالياً يدفع 40 % من ثمن العملية، ونتلقى دعماً من بعض شركات الأدوية تكون قد قاربت على انتهاء الصلاحية، وتزودنا منظمة أطباء بلا حدود شهرياً بكمية من العلاجات التي لا تفي بالغرض لكنها تغطي من 20-25 % من الاحتياج وننتظر دعم منظمة الصحة العالمية».
وأخيراً طالب مدير مركز الحروق جهات الاختصاص بإلزام شركة الغاز بعمل المادة النفاثة حيث قال: طالبنا منذ افتتاح المركز عدة مرات بإلزام شركة الغاز بالمادة النفاثة ..ولم نلق أي تجاوب..كما طالبنا بأن يكون هناك دعم للمركز يستقطع ريالين بعد كل أسطوانة لشراء العلاجات الناقصة ..ولم نجد استجابة»!
وعن دور الجمعية اليمنية لحماية المستهلك في توعية المواطن ( الضحية )، وكشف تخاذل وتواطؤ (الحكومة)، المسؤولة عن توفير الحياة الكريمة والآمنة للمواطنين ومحاسبة المتورطين ( الجناة)، يقول رئيس الجمعية د. فضل منصور:
«قضية الأسطوانات المتهالكة مأساة قديمة جديدة؛ حيث أقر مجلس الوزراء عام 2009م استبدال أربعة مليون أسطوانة خرجت عن الخدمة وانتهى عمرها الافتراضي ، وأصبحت « قنابل موقوتة « تشكل خطراً على سلامة المستهلكين».
وعن سبب عدم صيانة واستبدال الأسطوانات المهددة لحياة المواطنين تحدث د. فضل: «يدفع المواطن تكاليف الصيانة وقيمة الإهلاك عن كل أسطوانة غاز تتم تعبئتها «مبلغ عشرة ريالات» لكن لم يتم الاستبدال والإحلال التدريجي لهذه الأسطوانات بحجة عدم توفر الموارد المالية»!
مواصلاً تذكر ما حدث حيث قال رئيس الجمعية : «طالبت الجمعية الحكومة بتنفيذ قرارها، و» لم ينفذ القرار «.. تفاقمت المأساة وازدادت حوادث الحريق نتيجة الأسطوانات التي تسرب الغاز ولم تستبدل «بالإحلال» ولم تخضع لـ « الصيانة « أعني جميع الأسطوانات ، فالصيانة كانت لكميات محدودة لدى المصنع اليمني لصيانة الأسطوانات المتوقف منذ ٢٠١٦م بسبب الحرب والعدوان.
متابعاً كلامه: «عرضت الجمعية الموضوع على مجلس الشورى وأيضاً على مجلس النواب مطلع العام ٢٠١٩م، والذي أصدر توصية للحكومة بضرورة استبدال الأسطوانات التالفة وإعادة تفعيل الصيانة للأسطوانات التي مازالت بحاجة الى صيانة مثل تغيير المحبس أو صيانة الجسم الخارجي، ومع الأسف لم يتم تنفيذ ذلك».
وعن الدور التوعوي للجمعية يقول: «أعدت الجمعية ثلاثة (اسكت شات ) إذاعية وأربعة أنفو جرافيك توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وثلاثة فلاشات توعوية تلفزيونية بثت عبر كافة الوسائل الاعلامية لما يزيد عن شهرين ، ومع الأسف لم يتخذ أي إجراء من قبل الجهات المعنية ولم تتفاعل رغم خطورة القضية».
مضيفاً: «تم إبلاغ المجلس السياسي الأعلى بتاريخ ١٨/ ١١/ ٢٠١٩م، وأصدر توجيهات إلى وزارة النفط بضرورة تفعيل الصيانة كما طالبت الجمعية وزير النفط بتاريخ ٥/ ١٢ /٢٠١٩م التوجيه إلى شركة الغاز بضرورة إجراء الصيانة خاصة أن المواطن يدفع للغاز المنتج من مارب وللغاز المستورد عبر الحديدة مقابل صيانة، وكانت قد طالبت مدير شركة الغاز بمارب بتاريخ ٢/ ١٢ / ٢٠١٩م بتفعيل الصيانة كون الشركة تتسلم مبالغ الإهلاك والصيانة من المواطنين عند كل تعبئة ، ومع الأسف الشديد لا شيء يستجد سوى تزايد أعداد ضحايا انفجار أسطوانات الغاز».
وخلاصة القضية يقولها د. فضل من خلال ملامسته للواقع كمراقب وشريك في المسؤولية: «٧٠٪ من أسطوانات الغاز المتداولة مع المواطنين تشكل خطراً، والكميات المستوردة قليلة جداً، والمواطن أصبح غير قادر على شراء أسطوانة جديدة وإذا اشتراها تذهب للتغيير وتعود أسطوانة قديمة.. العملية برمتها بيد وزارة النفط وشركة الغاز ، والمسؤولية تقع على الحكومة ، كونها المعنية بحماية المستهلك بإجراء الصيانة واستبدال التالف من الأسطوانات».
ختامًا المدير العام للمصنع اليمني للغاز عبدالله المفزر يشاركنا القضية بالقول: «الشركة اليمنية للغاز هي المسؤول الأول والأخير عن قضية انفجار أسطوانات الغاز.. هم من يستلمون مبالغ مالية تخص إهلاك الأسطوانات.. نحن كمصنع مستعدون للعمل في أي وقت .. تنقصنا فقط المبالغ المخصصة للصيانة».
البيوت تحتضن الموت في مطابخ الحياة.. حقيقة مؤكدة.. أما تساؤلات ماذا؟ لماذا؟ كيف؟ ومسؤولية من؟ لا تقود الحكومات إلا إلى وضع معالجات آنية ومستقبلية .. تمنع الاختلالات.. وتوقف مهزلة تبادل الاتهامات.. وتعيد صناعة واستيراد أسطوانات غاز لا صواريخ ومتفجرات.. تمنح الأطفال الحياة .. ولا ترسل الأمهات إلى المقابر.

You might also like