عطوان .. هل سينجح الرئيس اردوغان في وقف انهيار الليرة التركية للمرة الثانية

 

إب نيوز ١٥ مايو

عبدالباري عطوان..

هل سينجح الرئيس اردوغان في وقف انهيار الليرة التركية للمرة الثانية في اقل من عامين؟ وكيف سيكون الرد القطري على طلبه بضخ المليارات رغم عبء الكورونا وانخفاض أسعار النفط والغاز؟ وما علاقة التدخل التركي عسكريا في ليبيا وسورية بهذه الازمة؟

يخوض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حروبا ضروسة على اكثر من جبهة هذه الأيام، سواء في ليبيا او سورية، ولكن الحرب الأخطر في رأينا تتعلق في كيفية منع انهيار العملة المحلية (الليرة) للمرة الثانية في غضون عامين لما يمكن ان يترتب على ذلك من مصاعب اقتصادية داخلية في زمن كورونا الصعب.
قبل أيام معدودة انخفض سعر الليرة الى 7.2 مقابل الدولار، وهو السعر نفسه تقريبا الذي سجلته اثناء ازمة عام 2018 كنتيجة للحرب الاقتصادية التي اعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب احتجاجا على اعتقال القس الأمريكي اندرو روبنسون، وانخراط الحكومة التركية في مفاوضات مع روسيا لشراء منظومة صواريخ “اس 400” مع الاخذ في عين الاعتبار تأثيرات انتشار فيروس كورونا السلبية الحالية على الاقتصاد التركي، وزيادة العجز في الميزانية العامة، ووصوله الى 6.3 مليار دولار في شهر نيسان (ابريل) الماضي، وارتفاع الدين العام الى اكثر من 400 مليار دولار.
***
وكالة “رويترز” الدولية للأنباء ذكرت في تقرير لها ان الحكومة التركية طلبت المساعدة من حلفائها بضخ مليارات الدولارات كاستثمارات وودائع في البنك المركزي لمنع انهيار الليرة، حيث اجرى مسؤولو وزارة الخزانة، والبنك المركزي محادثات ثنائية في الأيام القليلة الماضية مع نظرائهم في اليابان وبريطانيا بشأن انشاء خطوط مبادلة عملة، ومع قطر والصين بشأن زيادة حجم تسهيلات مالية قائمة.
عدم التجارب مع هذه الطلبات سيؤدي الى زيادة الانخفاض في سعر الليرة، على غرار ما حدث قبل عامين حيث فقدت نصف قيمتها في أيام معدودة مع الاخذ في الاعتبار انه قبل عامين كان الدخل السياحي في ذروته، ويضخ حوالي 45 مليار دولار سنويا في الخزينة التركية، وفي الوقت نفسه لم تكن تركيا متورطة عسكريا في الحرب الليبية بالصورة التي هي عليه الآن حيث أرسلت قوات ومعدات ثقيلة وطائرات مسيرة الى حليفها فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، لدعمه في مواجهة قوات الجنرال خليفة حفتر التي تحاصر العاصمة طرابلس.
أعداء الرئيس اردوغان كثر، وتشمل القائمة معظم دول الجوار التركي مثل قبرص واليونان وسورية الى جانب مصر والامارات وفرنسا وروسيا، وذكرت وكالة انباء “الاناضول” الرسمية ان هناك مؤسسات مالية في لندن تشن حربا شعواء على الليرة التركية ابرز اوجهها امتصاص العملات الصعبة من الأسواق التركية المحلية.
الدعم القطري للحليف التركي شبه مؤكد، فالسلطات القطرية التي ضخت 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي اثناء ازمة الليرة عام 2018 على شكل استثمارات، لن تتردد في الاقدام على الخطوة نفسها هذه المرة، فتركيا هي الدولة الوحيدة التي سارعت الى نجدة قطر لكسر الحصار الذي فرضته عليها كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر، واقامت قاعدة عسكرية على ارضها يتواجد فيها حوالي 30 الف جندي تركي بكامل معداتهم للتصدي لاي تدخل عسكري خارجي لتغيير النظام في الدوحة، لكن حجم هذا الدعم ما زال غير معروف بالنظر الى الظروف المالية الصعبة التي تواجهها الحكومة القطرية بسبب التراجع الكبير في عوائد النفط والغاز، وتصاعد تكاليف الحرب في ليبيا وسورية، ورصد مليارات الدولارات لمواجهة ازمة الكورونا، حيث تعلن قطر عن حوالي 1500 حالة إصابة في المتوسط يوميا، ووصل الرقم امس الى حوالي 1950 حالة.
انهيار الليرة قد يؤدي الى تعرض حكومة الرئيس اردوغان الى ضغوط داخلية مكثفة من أحزاب المعارضة التي وسعت دائرة انتقاداتها، وباتت تلوح باحتمالات حدوث تغييرات جذرية في قمة السلطة، والتهديد المبطن بانقلاب عسكري جديد، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإلغاء النظام الرئاسي.
لا نعرف كيف سيخرج الرئيس اردوغان من هذه الازمات، في ظل حالة الانقسام في حزبه، وخوضه حربي استنزاف في سورية وليبيا في الوقت نفسه، وتدهور علاقاته مع أمريكا التي تضغط لإلغاء صفقة منظومات صواريخ “اس 400” الروسية، وروسيا التي تتهمه بالتواطؤ مع منظمات إرهابية في ادلب، وخرق اتفاق سوتشي حول حلب.
***
سياسة “صفر مشاكل” التي أبقت حزب العدالة والتنمية في الحكم 20 عاما تقريبا تآكلت، وبات منّظِرها احمد داوود اوغلو يتزعم حزبا معارضا، والشيء نفسه يقال عن علي باباجان، مهندس المعجزة الاقتصادية التي جعلت من تركيا تحتل المرتبة 17 على سلم الدول العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم الذي شكل حزبا آخر يحظى بدعم عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، وشريك الرئيس اردوغان في تأسيس الحزب الحاكم.
امام الرئيس التركي خياران احلاهما مر لحل ازمة الليرة، الأول رفع سعر الفائدة، مما يعني ارتفاع معدلات التضخم وغلاء المعيشة، والثاني، اللجوء الى صندوق النقد الدولي وقروضه مما يؤسس لتبعية وفتح أبواب الاقتصاد التركي لتدخلات وشروط الصندوق، ولهذا يصر على رفضها كليا، وهذا ما يفسر لجوئه الى أصدقائه طلبا للمساعدة على امل النجاة، وإنقاذ الليرة من الانهيار.
ايام تركيا القادمة صعبة جدا، والخروج من الازمة بشقيها السياسي والاقتصادي يحتاج الى قرارات استراتيجية جريئة على اكثر من جبهة، ومع اكثر من طرف، فهل يفعلها الرئيس اردوغان؟ لدينا الكثير من الشكوك في هذا المضمار بحكم تجارب سابقة مماثلة.. والله اعلم.

You might also like