عبدالباري عطوان : الرئيس الافغاني هرب على طريقة التونسي بن علي.. اين ستكون وجهته الأخيرة

عبدالباري عطوان :
الرئيس الافغاني هرب على طريقة التونسي بن علي.. اين ستكون وجهته الأخيرة قطر أم أمريكا التي يحمل جنسيتها؟ وكيف سيكون مستقبل أفغانستان تحت الامارة الطالبانية الثانية؟ الفوضى.. الحرب الاهلية.. عودة “القاعدة الجديدة” للجهاد في الصين؟

بالأمس أشاد الرئيس الافغاني اشرف غني بالروح المعنوية العالية لقوات جيشه، واليوم فر الى طاجيكستان المجاورة على ظهر طائرة عمودية، في صحبة افراد اسرته طلبا للنجاة، واصبح يحمل لقبا جديدا وهو “الرئيس السابق”، بمعنى آخر لم يكن هناك استلام او تسليم للسلطة، وانما انهيارها واستيلاء المنتصر الطالباني عليها بقوة السلاح، والصمود عشرين عاما في وجه القوة الأعظم في التاريخ، والحاق هزيمة مذلة بها، لتصبح الإمبراطورية الثالثة بعد البريطانية والسوفييتية، التي تتجرع كأس الهزيمة المر على ايدي مقاومة الشعب الافغاني، اتفقنا مع طالبان او اختلفنا.
السقوط المخجل أيضا كان لكل المحللين العسكريين الامريكان الذين تنبأوا بصمود الجيش الافغاني ثلاثة اشهر على الأقل بعد انسحاب القوات الامريكية في الثلث الاول من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، واكدوا ان كابول لن تسقط قبل هذا التاريخ في ايدي قوات طالبان، وها هي حالة الفوضى التي تعيشها العاصمة الأفغانية اليوم هي الدليل بعد انهيار الجيش، ومؤسسات الدولة، وهروب الرئيس الامر الذي يعكس حالة الارتباك واستمرار نظرية سوء التقدير.
أجواء كابول كانت مزدحمة اليوم بالطائرات العمودية الضخمة التي تنقل الدبلوماسيين والرعايا الامريكان (2400 دبلوماسي في السفارة الامريكية)، ولكن لم يكن هناك من ينقل قادة الجيش والسياسيين الأفغان العملاء، حيث جرى تركهم لمواجهة مصيرهم القاتم.
أمريكا فشلت في بناء جيش أفغاني قوي وحديث، مثلما ارتكبت الفشل نفسه في كل الدول التي غزتها في العراق وليبيا وفيتنام، ولهذا جاء الانهيار السريع للجيش الافغاني الذي انفقت اكثر من 90 مليار دولار لتأسيسه وتدريبه، وربما ضعف هذا الرقم لتسليحه امام ميليشيا شعبية (الطالبان) بائسة التدريب، والتسليح صادما بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
أسباب هذا الفشل لا يحتاج الى الكثير من البحث والتحليل، فجميع الجيوش العميلة التي اسستها القوات الغازية المحتلة واجهت المصير نفسه، ابتداء من جيش لحد وانتهاء بالجيش الافغاني، فما هي العقيدة القتالية لمثل هذه الجيوش وقادتها، حماية قوات الاحتلال لبلادهم؟ ام الحفاظ على المنافع والمكتسبات المالية؟ وحتى الأخيرة كانت شبه معدومة بالنسبة الى الجيش الافغاني حيث الرواتب متدنية، ووجبات الطعام والرعايا الطبية في قمة السوء، الامر الذي دفع عشرات الآلاف من الجنود لبيع أسلحتهم او الانشقاق والانضمام لقوات طالبان، ولن نفاجأ اذا وجدنا جنرالات ووزراء أفغان يبيعون الكباب والخبز الافغاني في حواري الولايات المتحدة على غرار زملائهم في جيش لحد.
لا نملك بلورة سحرية، ولا نضرب في الرمل، ولكن يمكن ان نحاول رسم ملامح المستقبل من خلال متابعة الوقائع على الأرض إقليميا وعالميا، ونلخصها في النقاط التالية:
أولا: تنظيم “القاعدة” بصورته القديمة لن يعود الى أفغانستان وامارتها الجديدة، لان زعيم التنظيم أسامة بن لادن اغتالته أمريكا، اما من كان يوفر للتنظيم الحماية الملا محمد عمر وفاءا لتضحيات المجاهدين العرب، وعرفانا بجميلهم، فقد انتقل الى رحمة الله، وسيكون حكام أفغانستان الجدد اكثر حرصا على الحصول على دعم دولي او إقليمي لشرعيتهم ودولتهم، ولكن من غير المستبعد ان تؤسس أمريكا تنظيمها الإرهابي الخاص وتوظف مظلمة اقلية الايغور الصينية كأيديولوجية لتجنيد المجاهدين.
ثانيا: احتمالات غرق البلاد في حرب أهلية طائفية عرقية غير مستبعدة، لوجود العديد من الطوائف (الشيعية في هرات ومزار الشريف تحديدا) والطاجيكية والتكمستانية في الحدود الشمالية، واحتمال اقدام القوى الإقليمية مثل ايران وروسيا والهند وتركيا، ناهيك عن الصين وامريكا توظيف هذه الأوراق في صراعاتها، حركة طالبان حاولت مبكرا تطمين معظم هذه القوى بإرسال وفود اليها، وكان اخرها الذي حط الرحال في بكين قبل أسبوعين للتأكيد بأن الحركة لن تسمح لاي قوى خارجية (أمريكا) استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لزعزعة استقرار الصين عبر الحدود الأفغانية الصينية المشتركة (طولها 75 كم) ودعم اقلية الايغور المسلمة المجاورة.
ثالثا: السر المسكوت عنه ان روسيا وايران كانتا الداعم القوي ماليا وتسليحيا لحركة طالبان في حربها ضد الاحتلال الأمريكي، ومن المستبعد ان تقدم الحركة على أي تحالفات ضدهما وزعزعة استقرار طاجيكستان الروسية الأكبر، او اضطهاد أبناء الطائفة الشيعية في مزار الشريف.
رابعا: من أسس طالبان ودعمها، ووقف الى جانبها، وكان حاضنة حنون لها، هي باكستان، ولهذا ستكون اسلام اباد وتحالفاتها هي بوصلة الحركة السياسية والاستراتيجية في المستقبل، وباكستان تقيم في الوقت الراهن علاقات قوية مع ايران وتركيا، وتقف في الخندق الصيني، الامر الذي دفع أمريكا الى قطع ملياري دولار من المساعدات كانت تقدمها لباكستان سنويا بسبب رفضها وقف دعمها لطالبان، والقتال الى جانب القوات الامريكية ضدها.
***
لا نتفق مع معظم التسريبات الأمريكية التي تقول ان هناك صراعا بين جناحي حركة طالبان السياسي والعسكري، فالحركة موحدة تحت لواء الملا برادر حتى هذه اللحظة، ولا نرى أي شقوق داخلها، ولكن لا احد يعرف ماذا يمكن ان يحدث في المستقبل، ولعل الأمر يتوقف على الخطوة الامريكية المقبلة، فاذا لجأت أمريكا للثأر عسكريا من حركة طالبان، وارسلت قاذفات ” B52″ العملاقة لقصفها من قاعدة العيديد الجوية في قطر، فان الرد قد يكون بتحول حركة طالبان كلها الى تنظيم “قاعدة جديد” وبما يؤدي الى نقل المعركة ضد أمريكا الى تواجدها وقواعدها في الخارج.
باختصار شديد أمريكا انهزمت هزيمة كبرى في أفغانستان، ودفعت تريليونين ونصف التريليون دولار و3500 جندي ثمنا لغزوها، والمشهد الذي نراه حاليا في كابول قد يتكرر في العراق وسورية وليبيا وفلسطين المحتلة، وليت حلفاء، او ايتام، أمريكا يتعظون.. والله اعلم

You might also like