القط الذي أعدم “العصفورات”!

 

إب نيوز ١٣ ذي القعدة

 

عبدالملك سام

سألني أحد الأصدقاء ما سبب عدم كتابتي حتى الآن عن  موضوع إعدام السعودية لشابين بحرينيين، فأجبته بأن الموضوع غير طارئ؛ ورغم أن الموضوع مؤلم حقا، إلا أننا لو أنتظرنا قليلا فسوف نرى بأن الموضوع سيتكرر قريبا وبشكل أوسع قد يشمل جنسيات أخرى.. ولو سألتني (لماذا؟) فهذا أمر سيجعلني أعيد النظر في صداقتنا! فالموضوع واضح ومتكرر ودائم ومن ضمن طبيعة هذه الأسرة المجرمة التي لم يسلم من شرها أي بلد عربي أو شعب مسلم.

هناك بديهية مشهورة تسمى “بديهية ثيوسيديدس”، وهي تنص على أن القوي يفعل ما يريد، بينما الضعيف يعاني كما يجب! وبعيدا عن المثاليات والأخلاق فهذا الأمر هو الواقع، سواء أعجبنا أم لم يعجبنا، “إلا أنه يغلق سرداب الحقيقة المظلم العطن” كما قال أحد الكتاب العرب! فالأمر بديهي كما هو واضح حتى لو كانت مشاعرك ترفضه، وكونك تعاني فهذا يعني أنك في موقع الضعيف الذي يجب أن يعاني كما يجب، ولكي تخرج من دائرة الصراع مع قبول هذه الحقيقة المرة فيجب عليك أن تخرج نفسك من وضع الإستضعاف أولا!

يقولون أن الشكوى لغير الله مذلة، وهذا أمر أثبتته التجربة البشرية عبر التاريخ؛ فهناك دوما قوي يتجبر ويظلم، وهناك دوما ضعيف يشكو لمن لا يهتم، وهناك دوما أنذال يبررون للظالم فعلته! فما الجديد الذي سنقوله، في حين أننا رأينا كيف تفاعل الناس مع مآساة (فطوم) التي أكل القط عصافيرها حتى أصبحت “ترند” على مواقع التواصل الإجتماعي، في حين أن جريمة قتل الإنسان لم تحظ منا بنصف هذا الإهتمام! فنحن أيضا نعبر عن صحة “بديهية ثيوسيديدس”!

هذا يرجعنا بشكل دائم للجدل الدائر حول تأثيرات مواقع التواصل الإجتماعي (السوشيال ميديا) على أخلاق من يرتادونها؛ فقد تحول 99% منا إلى باحثين عن الإعجاب (Likes) مما جعلهم يهملون قضاياهم، ويمارسون السخف حتى ينالوا بعض الإهتمام الذي لا قيمة له في الواقع، وهم مقتنعون أن هذا الأمر لا ضرر فيه، في حين أن الأمر قد حولنا إلى شهود زور نقوم – بقصد أو بدون قصد – بالتغطية على القضايا التي يفترض أن تكون أول إهتماماتنا، والأولى بمناقشتها، بل أننا تحولنا إلى طرف مضلل!

الإستمرار في هذه الطريق لن يعني سوى المزيد من المعاناة، ولو رأينا الوضع بعين فاحصة فسنجد أنه لم يخرج من هذه الدائرة سوى الأمم التي تولي وقتها وحياتها وقضاياها الإهتمام المناسب.. لذا يجب أن نجعل لكلامنا ووقتنا قيمة، وأن نعطي قضايانا إهتمام أكبر، وأن نتعلم أن يكون لنا تأثير، وأن نغير من أسلوب خطابنا مع الآخرين حتى يغيروا نظرتهم لنا، وأن نحرض بعضنا على تغيير واقع الضعف والمسكنة لنتمكن من تغيير موقعنا، وبذلك سنفعل ما نريد، ونجعل الظالمين يعانون كما يجب.. وبغير هذا الأمر، فلا جدوى من الشكوى، ولنرح رؤوسنا ودعونا نتابع آخر أحداث القط الذي أكل “العصفورات”!!
….

*الحملات التي نقوم بها بين الحين والآخر على مواقع التواصل الإجتماعي تطبيق جيد على ما يمكن أن نفعله كأستثمار ناجح للوقت والمجهود، خاصة ونحن نصل بقضايانا لتكون “تريند” عالمي.. لكن ماذا سيحدث لو كان هذا الأمر يحدث بشكل دائم؟ التغيير سيحدث لو أعتبرنا أن الوقت أمانة، والكلمة أمانة، والموقف أمانة! فقف مع نفسك وسترى أي تغيير سيحدث في واقعك!

You might also like