عطوان :  ترامب يكذب مرتين في حديثه “المتلفز” عن جريمة اختفاء الخاشقجي.. ويقدم صفقات الأسلحة على حقوق الانسان.. لماذا تراهن السلطان السعودية على عامل الوقت؟

 

إب نيوز ١١ اكتوبر
عبد الباري عطوان :

لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السيناريو الأهم الذي سيكون بمثابة فصل النهاية في مسلسل جريمة اختفاء، او اختطاف، الكاتب السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنبول يوم الثلاثاء قبل الماضي، ولا يوجد أي دليل يؤكد خروجه منها حيا او “مقطعا”.
قبل الحديث عن زبدة كلامه الصادمة بالنسبة الينا، وربما للكثيرين غيرنا، نود التأكيد بأنه، أي الرئيس الأمريكي، كذب مرتين في حديثه الى قناته المفضلة “فوكس نيوز” اليوم الخميس، الأولى عندما قال ان محققين أمريكيين يعملون مع انقرة والرياض للتحقيق في جريمة اختفاء الخاشقجي، لان السلطات التركية سارعت بنفي هذه المزاعم، وأكدت انها لا يمكن ان تسمح لمحققين أمريكيين او غيرهم بالمشاركة في التحقيقات لأن هناك محقيين اتراك اكفاء، اما الثانية، ان تعاطفه مع الضحية كان “باردا” خاليا من أي “حماس” او تعاطف، مثلما كان مرتبكا في حديثه، مثل قوله اننا نعمل مع تركيا ومع السعودية أيضا (لم نسمع عن أي تحقيقات سعودية حتى الآن)، وليس هناك ادل على هذا الارتباك او عدم الرغبة في القول بأي شيء مفيد او حاسم اشارته الى انه “دخل القنصلية ولا يبدو انه خرج.. بالتأكيد لا يبدو انه موجود” أي انه فسر الماء بالماء، واكتفى بتوجيه الدعوة الى خديجة جنكيز خطيبة الخاشقجي لزيارة البيت الأبيض، والتقاط الصور امام المدفأة الشهيرة “وكفى الله المؤمنين شر القتال”.
***
نعود الى النقطة الأهم محور هذه المقالة، وهي التي تؤكد ان إدارة الرئيس ترتكب لا تريد اتخاذ أي اجراء ضد المملكة العربية السعودية حتى لو ثبت تورطها، فالرئيس ترامب قال، وفي المقابلة نفسها، ونحن ننقل هنا حرفيا “وقف مبيعات الأسلحة سوف يؤذينا، فلدينا وظائف، ولدينا الكثير من الاشياء التي تحصل في هذه الدولة، ولدينا دولة تعمل من الناحية الاقتصادية افضل من أي وقت مضى، وجزء من ذلك يرجع الى ما نفعله بأنظمتنا الدفاعية.. بصراحة اعتقد ان ذلك سيكون قرصا من الصعب على بلدنا ابتلاعه”، ووجه انتقادا لاذعا الى 22 مشرعا أمريكيا (أعضاء في الكونغرس) وجهوا رسالة اليه طالبوا فيها بفرض عقوبات على السعودية تطبيقا لقانون “ماغنيتسكي” لحقوق الانسان، وقال ان هؤلاء تسرعوا في هذه الخطوة محذرا من ان هذه المطالب تضر بالولايات المتحدة.
هذه العبارات المهمة جدا التي وردت في حديث ترامب، توحي بأن العمل الحقيقي الجاري حاليا يعطي الأولوية للتوصل الى “صفقة” سرية على “أشلاء” الضحية، وليس فك طلاسمها، فهناك قناة اتصال أمريكية نشطة في هذا المضمار بين ثلاثة مسؤولين أمريكيين مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، هم جون بولتون مستشار الامن القومي، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره، ومايك بومبيو، وزير الخارجية، في الوقت نفسه هناك قناة اتصال سرية تركية سعودية، وسط انباء تفيد بأن الحكومة التركية لا تريد المواجهة مع السعودية، القوة “الإقليمية الكبرى”، وتسعى للوصول الى “حل وسط” لإنهاء هذه الازمة.
فمن يتابع الصحافة التركية والقريبة من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، يجدها اكثر هدوءا في تناولها للجريمة وتطوراتها في اليومين الماضيين، على عكس الصحافة الامريكية، وكان لافتا ان صحيفة “الصباح” التركية اكدت في عددها الصادر اليوم انه “لم يتم رؤية أي أشلاء بشرية عند مرور حقائب الفريق الأمني السعودي امام كاميرات الفحص الأمني قبل مغادرتهم مطار إسطنبول الدولي على متن طائرتين خاصتين، الامر الذي اذا صح، فانه يخلط الكثير من الأوراق، وينسف مسلمات، حول مسألة “التقطيع” الرائجة.
شبكة “NBC” الامريكية كشفت اليوم الخميس نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة على التحقيقات التركية ان انقرة أبلغت واشنطن ان لديها أجهزة تنصت داخل مقر القنصلية السعودية في إسطنبول وتسجيلات صوتية تؤكد قتل خاشقجي على يد فريق أمني سعودي متخصص وصل من الرياض لتنفيذ المهمة، وذكرت تقارير أخرى ان المخابرات التركية فحصت مياه المجاري، وانابيب الصرف الصحي للقنصلية السعودية، وعثرت على ادلة جنائية ربما تكون دماء.
الأهم من ذلك ان المخابرات التركية التي نشرت أسماء وصور هذا الفريق الأمني، اكدت ان أبرزهم اسمه صلاح محمد الطبيقي، وهو خبير تشريح ويعمل طبيبا شرعيا في وزارة الداخلية السعودية، وقد قارنت بين صورة على موقعه في “ألفيسبوك” وتلك التي جرى التقاطها عند دخول الفريق للقنصلية والخروج منها، فوجدت الصورتين متطابقتين، وقد أثار وجود هذا الطبيب العديد من علامات الاستفهام حول دوره، فهل كان للتشريح، ام للتقطيع، ام لحقن الخاشقجي بحقنة تخدير تمهيدا لنقله، مثل امراء ومعارضين آخرين الى الرياض؟
***
خلاصة القول ان هناك احتمالين لا ثالث لهما حتى كتابة هذه السطور:
ـ الأول: ان السيد الخاشقجي قٌتل فعلا، ولكن مصير جثمانه ومكانه ما زال مجهولا.
ـ الثاني: ان يكون جرى اختطافه حيا وتم نقله الى الرياض تماما مثلما حدث مع امراء ومعارضين سعوديين، بعضهم جرى تصفيته، والبعض الآخر موضوع تحت الإقامة الجبرية.
صديق مقرب جدا للزميل الخاشقجي، ويعرف اسراره بما فيها الشخصية جدا، اكد لنا ان السبب الرئيسي الذي جعل المخابرات السعودية تقرر تصفيته جسديا، هو رغبته في تأسيس منظمة حقوق انسان باسم “الفجر” يكون امينا عاما لها، وتضم عدة شخصيات عربية وسعودية معارضة يكون مقرها إسطنبول، تحت رعاية رسمية تركية عليا.
السلطات السعودية تراهن على عنصر الوقت اعتقادا منها انه كلما طالت المدة والتحقيقات، تتراجع درجة الاهتمام العالمي والعربي والإعلامي بهذه الجريمة، ويبدو ان الرئيس ترامب ومستشاريه يؤيدون هذا الرهان ويشجعون عليه، ويستندون في ذلك الى ان الغرب يبحث عن مصالحه، فألمانيا اعتذرت للسعودية، واسبانيا تراجعت عن قرارها بوقف بيع أسلحة للرياض احتجاجا على حرب اليمن، وكندا على وشك السير على الطريق نفسه، بعد اعتذار سفيرها في الرياض عن تدخل حكومته في أمور سعودية داخلية من بينها المطالبة بالافراج عن معتقلات ومعتقلي رأي.
باختصار شديد: الصفقات تتقدم على حقوق الانسان لدى معظم الحكومات الغربية، ان لم يكن كلها، وان كانت هناك استثناءات فهي نادرة جدا، ومن يقول غير ذلك لا يعرف الحكومات الغربية، والأمريكية منها على وجه الخصوص، وراجعوا الفقرة التي وردت في حديث ترامب التي تؤكد هذه الحقيقة اذا كنتم مشككين.. والأيام بيننا.

You might also like