في اليمن طفولة نضجت ولم تعد تبكي .

 

إب نيوز ١٤ سبتمبر
بقلم / عفاف البعداني

سأتحدث عن طفولة يمنية نضجت في ظروف مصيرية ، كبرت في غير أوانها وحجبت عيونها الصغيرة أمام طفولة العالم الكبير كي لا ترى نفسها كسيرة ويتيمة وتنال شفقة كبارهم المذبوحة .

فعادةً طفولتنا كوطنها مكابرة لاتحب أن تكون تحت شفقة الآخرين .

ومن داخل حديقة بائسة ومدراس
مغلقة وأزقة فارغة وشوراع واسعة وضحايا راقدة بالقصف وليس بالنوم وقفت .

لأخبرالعالم وأقول :
بصوت مدوي…
أيها العالم:
هناك طفل في اليمن
لم يعد يبكي وأنا على مشارف صبره بت بصفتي سائد ولست متنحي.
أيها العالم :
هناك طفل يمني لم يعد يبكي ولن يسوق الدمع مساقيه، وأنا هنا أمعن بملاذ الرضاء وقرينه الصبر.
أيها العالم:
هناك طفل وأطفال لونهم بالشحوب لونهم صار وأحد فلا يعرف منهم الأبيض ولا الأسود ولا القمحي ، تجمعهم أسطورة الجوع والفقدان ويفرقهم عمل شاق متعب يظنوه لخوائهم مُجدي ، وهناك طفل لم يوقفه زجاج أو شوك بجرحها المدمي فهو يواصل المشوار ومن هنا وهناك يجري بحذائه الفردي .

وهناك طفل تكتل وجمع كفيه ورجليه مستلقي حرم من الرعاية وأصبح اللحاف أكبر صديق لحنانه الحسي .

وأنا أراهم وأنا معهم كأني مع تلك الطفولة صرت أحبي وكأني عالق في ثراها الموسي ،وكأني صرت بجمود عبراتها عاقلاً فالدمع كما يقولون ليس من شيم العاقلين بل لعمر الصبا المشقي.

وكأن الطفولة هناك في أبعاد موطني المجروح أقامت السعد ونثرته في الأحزان بعثرةً فحل السعد وصيرته على
الأوجاع متحدي.

صبرت الطفولة في أرضي وقالت: للضعف لن تهز من أبحري دمعي لن تغدوا رحالاً في رثاء سردي ،صمدت وقالت للأوجاع مقبرةً فهل يوجع القلب من دقات حياته بالنبضي.

وحينها لاح طفل أبكم دموعه لاتجري يقف كجبل صامد ثجلي وقال: للغمام من خلف ستارة سوداء ملبدة بدجى الظلام بأنه لم يعد يخاف ولن يبكي، لم يعد يخاف ولم يعد يبكي من أصوات
مضخمة في ذلك الرعودو البرقي.

تنحى بالحكى ياطفل في يمن الجروح سيبزغ فجرك في العمر القريب فلا ترثي ولا تنعي.

يا أيها العالم:
أسمعني ذاك السرد عنا هوصحيح وليس مزايد لواقعنا المأساوي ولكن تلك المحارة العالقة فينا الغادر نوعها الغارق صائبها بالقدر لاتؤذي ، وإنما تولد في جوف القلوب مصارف تجرنا بالإمعان بالعين وتقرأ من لمعان يسري بين حوى الحدبي.
سنرقى ياعالم الصمت ولتنظر إلينا فنحن من تلك البلاياء سيخرج منا العالم الفذي والباحث المجدي والصالح المعطي ،
سيخرج منا الزهر مبتسما ويحكينا التاريخ مرتجلًا في حروف منصعةً بحلية الذهبي.
سيموت فينا الشتاء وتزهوا وتفوح ورودنا
حتى في ظلام المساء
سنصحى يادهر ولتكن شاهد على أن ذاك اليوم هو قادم وبإذن الله سيأتي .
بكى صبري من حكى دهري وآنا بدمعة الجارف كيف لا أبكي وعدت الصبا بأن لا أبكي
وليتني بكيت وبكيت وبكيت ولابكى صبري.

You might also like