كاتب عماني: اليمن تغير المعادلة السياسية من البوابة العسكرية

إب نيوز ٧ مايو

هناك صورة نمطية للشخصية اليمنية لدى الغرب، بل وحتى لدى بعض العرب. هذه الصورة مستمدة من الهيئة الخارجية لليمني، ويُقاس بها مدى تقدم اليمن وتطوره. هذه النمطية تتحكم في عقول الغرب، فلا يستطيعون تصور تقدّم اليمن في ظل هيئته وطريقة عيشه وثقافته، وتبعيته – قبل ثورة 21 من سبتمبر – للخارج.

اليمن يثبت اليوم أنه قائد من قادة العرب، من خلال ما يقوم به في البحر الأحمر، وما يقدمه من نصرة للشعب الفلسطيني. لقد غيّر اليمن المعادلة السياسية والعسكرية والإعلامية في المنطقة، عبر حادثتين بارزتين: الأولى، سقوط طائرة F-18 من على متن حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” بفعل الضربات الصاروخية والمسيرات اليمنية، والثانية الصاروخ الفرط صوتي الذي ضرب مطار بن غوريون الإسرائيلي.

اليمن اليوم يفعل ما لم تفعلوه جيوش عربية بأن يقاتل في جبهتين، جبهة البحر الحمر ضد حاملة الطائرات الأمريكية بمسمياتها المختلفة، وضد العدو الإسرائيلي بضربه في عمقه الاستراتيجي، نصرة لغزة العزة فماذا يعني ذلك سياسياً وعسكرياُ.

المعادلة السياسية تتحقق غالبا من البوابة العسكرية فعن طريق القوة والتأثير العسكري تتغير المعادلة السياسية، بل تتعد الجغرافيا المعينة ونقصد هنا اليمن إلى دائرة أوسع لتشمل ملفات أخرى، كون اليمن من محور بات يعرف في المنطقة بأنه محور المقاومة المساند لغزة ،والمناهض للهيمنة الأمريكية والبلطجة الإسرائيلية.

برز هذا العنوان بعد معركة “طوفان الأقصى ” من خلال جبهات المساندة لغزة في معركتها ضد العدو الصهيوني فعرف بمصطلح “وحدة الساحات ” فكانت جبهات المساندة من اليمن ولبنان والعراق، والكل يعلم اليوم بأن جبهة لبنان والعراق لإسباب داخلية وسياسية أغلقت، أو وقفت وبقيت جبهة اليمن تصارع وحدها مساندة الشعب الفلسطيني.

أسرائيل بعد وقف إطلاق النار في لبنان والمشاركة في تغيير النظام السياسي في سوريا وتمركزها في ثلاثة محافظات سورية، أردت بعد هذه الأحداث أن ترسم معادلة سياسية جديدة في المنطقة مزهوة بإنتصارات حققتها ضد محور المقاومة في المنطقة. ربما تكون إسرائيل حققت إنتصارات نوعية في إستهداف قادة كبار سياسيين وعسكرين من أمثال “السيد حسن نصر الله ” ولكنها لم ولن تستطيع القضاء على فكرة المقاومة، لانها ببساطة فكرة لا تموت بموت قادتها .

ما أصاب الأمريكان والإسرائليين من قبل حكومة صنعاء غير المعادلة السياسية، من نشوة فرحة هزيمة هذا المحور، إلى التفكير بمهادنته، خاصة بعد أستهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان ” وأصابتها أصابات مباشرة وقبلها “أيزن هاور” والصاروخ الفرط صوتي الذي أصاب العمق الإسرائيلي.

المعادلة السياسية تتغير تجاه اليمن من قبل الأمريكان بفضل ضربات البحر الأحمر، فبمجرد القبول بوقف التصعيد العسكري بين أمريكا واليمن يعتبر ذلك فشلاً أمريكيا كبيراً في تحيد حكومة صنعاء ، فقد ذكر وزير الخارجية العماني ” السيد بدر البوسعيدي” التوصل لإتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وأنصار الله اليمنية بعد إتصالات أجرتها سلطنة عمان مع الطرفين “.

 وهذا يعني إستعداد الطرف الأقوى هنا وهو الأمريكي بقبول الواسطة العمانية، لان الحل العسكري لم ينفع في منع حكومة صنعاء من إستهداف القطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، فجاء هذه الاتفاق إعترافاً من الأمريكي بعجزه عسكرياً في تغير المشهد العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل.

 هذا الاتفاق هو نصر سياسي يمني استطاع اليمنيون إنتزاعه من الأمريكان بفضل الصواريخ اليمنية التي غيرت المعادلة العسكرية في المنطقة، خاصة بعد سقوط طائرة أف 18 الأمريكية، ولا يعني هذا الاتفاق بأن اليمنيون سوف يوقفون أسنادهم لغزة عبر أستهداف العمق الإسرائيلي، فقد ذكر عبر منصة أكس “محمد البخيتي عضو اللجنة السياسية في حركة أنصار الله ” أن العمليات العسكرية لدعم غزة لن تتوقف حتى يتوقف العدوان عليها ، ويرفع الحصار عنها لدخول الغذاء والدواء والوقود إليها ” وذكر كذلك “أما بالنسبة لهجماتنا على الولايات المتحدة فهي تندرج في سياق حق الدفاع عن النفس، إذا أوقفت هجماتها علينا ، فستتوقف هجماتنا عليهم وينطبق هذه الموقف على بريطانيا .

النصر العسكري اليمني في البحر الأحمر نتج بقبول أمريكا وقف التصعيد مع اليمن، وهذا الأمر سوف يترجم سياسيا في الملف الفلسطيني، وملف المفاوضات الإيرانية الأمريكية لعقد إتفاق نووي جديد بينهما كيف ذلك، هنا نقول بأن المدخلات العسكرية لها مخرجات سياسية.

ففي الملف النووي، ما حصل في اليمن انعكس إيجاباً على مسار التفاوض الإيراني-الأمريكي، إذ ينقل الوسيط العُماني رسائل مطمئنة تعكس رغبة الطرفين في عقد هذا الاتفاق. ويعود التفاؤل إلى فشل تجربة اليمن – إن صح التعبير – والتي كانت تُستخدم كعصا لترهيب الإيرانيين ودفعهم إلى التفاوض من منطلق الضعف وتحت تهديد الحرب. غير أن إيران رفضت هذا الأسلوب وفرضت قواعدها التفاوضية. فقد فشلت الحرب الأمريكية ضد حكومة صنعاء فشلاً ذريعاً، ومن دلائل هذا الفشل قبول الأمريكيين بوقف التصعيد عبر الوسيط العُماني.

في غزة، غيّر الصاروخ الفرط صوتي المعادلة، وسَيُجبِر الإسرائيليين على وقف العدوان والدخول في مرحلة تفاوض جديدة، خاصة بعد تخلّي أمريكا عن المواجهة العسكرية في اليمن، وفقاً للاتفاق الأمريكي-اليمني الأخير. وتشير وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الجانب الأمريكي يضغط على إسرائيل للتوصل إلى صفقة في غزة، إذ إن التصعيد هناك لا يصب في مصلحة بيئة التفاوض لإنهاء الملفات العالقة في المنطقة. فالاتفاق مع إيران واليمن سينعكس على جبهة غزة، والعكس صحيح. كما أن الولايات المتحدة بحاجة إلى اتفاق جديد مع إيران لتحصيل منافع اقتصادية لم تُحقق في اتفاق عام 2015، ويُرجّح بعض المراقبين أن هذا هو أحد أسباب انسحاب أمريكا من الاتفاق خلال الولاية الأولى للرئيس “ترامب”.

في ضوء المتغيرات العسكرية والسياسية المتسارعة، يبرز اليمن اليوم كفاعل إقليمي مؤثر يعيد رسم التوازنات في المنطقة. لقد فرض حضورَه من بوابة الصراع العسكري، فانتقل إلى طاولة السياسة بقوة الإنجاز الميداني. وإن كانت الصواريخ قد غيّرت المعادلات، فإن نتائجها ستنعكس حتماً على الملفات الكبرى، من غزة إلى الاتفاق النووي. إنها لحظة إعادة تموضع لقوى المقاومة، ورسالة واضحة: لا استقرار دون حساب لليمن ودوره الجديد.

*جمال بن ماجد الكندي

كاتب عُماني

You might also like