من الدفاع إلى الهجوم.. صنعاء تعيد تشكيل المنطقة..!!

إب نيوز ١١ مايو

فهد شاكر أبوراس

في خضم التطورات المتسارعة منذ الإعلان عن الإتفاق المبرم بين صنعاء وواشنطن، برزت معطيات جديدة تكشف أن ما تم الإعلان عنه في الإتفاق من شروط لم تكن سوى القشرة الظاهرة من الإستراتيجية اليمنية الأكثر عمقاً من وقف العدوان على اليمن الهادفة إلى إحداث تغيير جذري في موازين القوى الإقليمية، حيث أظهر التوتر العلني بين واشنطن وتل أبيب عقب الإعلان عن الإتفاق مدى نجاح صنعاء في تحويل التفاهم المعلن إلى ورقة ضغط فعالة ضد التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما يؤكد من أن شروط صنعاء تتجاوز وقف العدوان على اليمن إلى أبعاد استراتيجية غير معلنة تهدف إلى عزل الكيان الصهيوني كلياً عن العالم، بدء بحظر ملاحته البحرية والجوية، ثم العمل على زعزعة تحالفاته الإستراتيجية والعسكرية والبداية من واشنطن، فقد عبر الكيان الصهيوني عن غضبه الشديد من إتفاق واشنطن المبرم مع صنعاء وعتبره تنازلاً خطيراً يهدد مصالحه، بينما تجد واشنطن نفسها في موقف دفاعي تحاول فيه تبرير خطوتها دون أن تخفي ارتباكها الواضح تجاه ردة الفعل الصهيوني، وهذا الإرتباك ليس سوى البداية لما تعد به صنعاء من تطورات قادمة ستزيد من حدة هذا التوتر كلما استمر العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حيث أن صنعاء تمتلك أوراق ضغط إضافية لم تُكشف بعد، وهي مستعدة لاستخدامها تباعاً لفرض المزيد من الشروط التي تضع واشنطن أمام خيارات صعبة، فالقدرات العسكرية اليمنية المتنامية والمتمثلة في الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرة وسيطرتها الكاملة على الملاحة البحرية في المنطقة تمنح صنعاء أوراق فعالة للضغط المستمر، كما أن الموقف الشعبي العربي الداعم للموقف اليمني يزيد من قوة هذه الأوراق، مما يجعل واشنطن في مأزق حقيقي بين الحفاظ على تحالفها مع تل أبيب أو الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وهذا يظهر براعة المناورة اليمنية والتي استطاعت تحويل التهديدات ضدها إلى فرص وأدوات تفاوض فعالة لصالحها، فبينما تظن واشنطن أنها تمكنت من تأمين ملاحتها البحرية من خلال الإتفاق مع صنعاء، ستجد نفسها مستقبلاً أمام معادلات جديدة تفرض عليها مراجعة حساباتها الإقليمية بالكامل، فصنعاء اليوم أصبحت قوة إقليمية ولن تتردد لحظة في العودة إلى التصعيد العسكري إذا لم تتحقق مطالبها الكاملة والتي أصبح من الواضح أنها تتجاوز اليمن إلى القضية الفلسطينية وباقي قضايا الأمة، فتصريحات صنعاء الأخيرة تؤكد أن أي تقدم في مسار تنفيذ شروط الإتفاق مع واشنطن هو مرهون بما هو أبعد من وقف العدوان على اليمن وسوف يمتد إلى وقف الدعم العسكري الأمريكي للكيان الصهيوني في العدوان على غزة، مما يعني أن صنعاء تضع القضية الفلسطينية في صلب أي تفاهمات مستقبلية، وهذا ما يفسر حالة غضب الكيان من ذلك الأتفاق، حيث بات يدرك جيداً أنه لم يعد الطرف الوحيد الذي يتحكم في القرار الأمريكي، بل أصبح هناك طرف آخر يفرض شروطه بقوة السلاح والإرادة، واللافت في المعادلة أن صنعاء لا تحتاج حتى إلى إعلان شروطها بشكل رسمي، فمجرد التلويح بإمكانية استئنافها للعمليات العسكرية كاف لخلق حالة من عدم الإستقرار تضغط على واشنطن، وهذا ما يفسر التحرك الأمريكي المحموم مؤخراً لاحتواء أزمة واشنطن مع تل أبيب، في محاولة فاشلة وغير مجدية خاصة في ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة ولبنان وسوريا، وتنامي الغضب الشعبي العالمي، مما يضعف الموقف التفاوضي الأمريكي ويقوي يد صنعاء في المطالبة بخطوات أكثر جرأة، وفي هذا السياق، من المتوقع أن المرحلة القادمة ستشهد تصعيداً يمنياً يدفع واشنطن نحو المزيد من التنازلات، قد تصل إلى حد تخفيض مستوى الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني وفرض قيود على المساعدات العسكرية، وهنا تبرز العبقرية الإستراتيجية اليمنية والتي تربط وبشكل ذكي بين الملف اليمني والقضية الفلسطينية، بحيث أن أي تقدم بالنسبة لصنعاء في الملف الأول مرهون بتقدم الملف الثاني، وهذا يجعل واشنطن في حيرة من أمرها بين الإبقاء على تحالفها الاستراتيجي مع تل أبيب، أو حماية مصالحها الإقتصادية والعسكرية في المنطقة، وفي كلتا الحالتين، فإن صنعاء هي الرابح الأكبر، لأنها استطاعت ببراعة نادرة أن تحول نفسها من طرف في صراع محلي إلى لاعب إقليمي مؤثر يفرض شروطه على القوى الكبرى، ويكفي النظر إلى حدة التوتر بين واشنطن وتل أبيب لقياس مدى نجاح هذه الإستراتيجية، فبينما كانت العلاقات الأمريكية الصهيونية توصف بالقداسة، ها هي اليوم تتعرض لاختبار حقيقي بسبب ضغوط طرف ثالث لم يرد يوما في حسابات واشنطن، وهذا بحد ذاته يعد إنجاز استراتيجي كبير يصب في صالح القضية الفلسطينية ويعيد تشكيل التحالفات الإقليمية لصالح محور المقاومة، فالصراع لم يعد كما كان، والقواعد تغيرت، وصنعاء اليوم تكتب فصلاً جديداً من فصول المواجهة، وأثبتت أن الإرادة الصلبة والعزيمة وامتلاك القضية، بإمكانها فرض واقعاً جديداً حتى على أعتى القوى العالمية، وأن المعادلات الإقليمية لم تعد حكراً على القوى التقليدية، بل أصبح بإمكان القوى الصاعدة أن تفرض نفسها كفاعل رئيسي في صناعة القرار الإقليمي، وهذا بالضبط ما تفعله صنعاء حيث تحولت من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم الإستراتيجي، وفرضت شروطها ليس فقط على واشنطن، بل على الكيان الصهيوني نفسه، والذي بدأ يشعر اليوم بتهديد حقيقي لمصالحه لم يعد قادماً من محور المقاومة فحسب، بل من عمق الجزيرة العربية هناك حيث يقف اليمن كحارس أمين للقضية الفلسطينية، ومنبعاً للإستراتيجية الجديدة في مواجهة المشروع الصهيوني.

You might also like