كاتب ومحلل سياسي لبناني: الاتفاق الأميركي اليمني صار واضحاً
إب نيوز 10 مايو
رافقت إعلان التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وصنعاء على وقف إطلاق النار بوساطة عمانية تسريبات أميركية على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب والناطقة بلسان وزارة الخارجية الأميركية، تنصّ حرفياً على ما وصفته باستسلام اليمن وأنصار الله، ولم يكن الإعلان العمانيّ عن الطابع الثنائيّ للاتفاق الذي يتوقف بموجبه كل طرف عن مهاجمة الآخر لتبيان أن أميركا تنسحب من خيار اتخذته قبل سنة وخمسة شهور في 30-12-2023 بتشكيل تحالف الازدهار لحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر من قرار الحظر اليمني، بينما لم يتراجع اليمن عن قرار 13-11-2023 بمساندة غزة عبر فرض الحظر على السفن الإسرائيلية ومواصلة استهداف العمق الإسرائيلي.
قيمة الكلام الصادر عن اليمن أنّه حرّك الإعلام ليسأل الأميركيين عما سوف يفعلونه إذا واصل اليمن حظر السفن الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر وواصل استهداف عمق كيان الاحتلال. وهذا ما حدث فقد طرح السؤال على الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقال لا أعرف، ثم أضاف الأكيد أنهم لن يهاجموا السفن الأميركية، لكن السفير الأميركي لدى الكيان مايكل هاكابي كان أشدّ وضوحاً فردّ على السؤال ذاته بالقول إن واشنطن لا تحتاج إلى إذن تل أبيب لتعقد اتفاقاً يجنّب سفنها الهجمات، وربط أي موقف أميركي من الاستهدافات اليمنية عمق الكيان بأن يطال مواطنين أميركيين.
وضحت الصورة في شقّ نظريّ، وواشنطن تعترف أنّها تخلّت عن قرارها بشنّ الحرب على اليمن رداً على إجراءاته الموجّهة ضد «إسرائيل» إسناداً لغزة، واليمن يثبت تدخله ضد «إسرائيل» إسناداً لغزة، لكن الصاروخين اليمنيين اللذين استهدفا عمق الكيان أمس، وغياب أي تعليق أميركي سوى ما قاله السفير الأميركي لدى الكيان، يؤكد أن ما قاله اليمنيّون هو الصحيح وأن الكلام الأميركيّ عن استسلام يمنيّ ليس إلا عملاً دعائياً لتبرير التراجع، بعدما بدأت تنكشف التقارير التي كانت محجوبة إعلامياً عن حجم المخاطر المحيطة بالأسطول الأميركي مع فشل الدفاعات الجوية المرافقة للأسطول في حمايته وبدء دخول المواجهة مرحلة خطيرة تمثلت بسقوط طائرتين حربيتين أميركيّتين من طراز أف 18 عن سطح الحاملة هاري ترومان واحتمال إصابتها إصابة بالغة وربما تعرّضها للغرق، بينما الكلفة الفنية من إنفاق للذخائر الدقيقة يصعب تعويضها بسهولة، والكلفة المالية تجاوزت المليار دولار وهي إلى ارتفاع، وقد باتت الأمور بين خياري الانسحاب أو الاستعداد لحملة حربية كاملة تمتدّ لسنوات على طريق حرب فيتنام.
عندما تقرّر واشنطن الانسحاب من حرب اليمن التي صمّمتها لحماية «إسرائيل» وردع قوى المقاومة، وتأكيد رفضها لوحدة الساحات، فهي تدرك أن النتيجة ضعف «إسرائيل» من جهة، وصعود في مكانة الردع اليمني الذي تسبّب بإخراج أميركا من الحرب من جهة ثانية، وتسليم بأن وحدة الساحات تحكم معادلة حرب غزة، حيث اليمن يضغط بقوة عبر الرأي العام الإسرائيلي الغاضب من ذعر الهروب اليوميّ إلى الملاجئ تحت وطأة مواصلة الصواريخ اليمنية بالتساقط فوق رؤوس المستوطنين، والرأي العام الإسرائيلي الضاغط له وجهة واحدة هي إلزام حكومة بنيامين نتنياهو بوقف الحرب.
إذا كان الانسحاب الأميركي تعبيراً عن غضب أميركي من «إسرائيل» والضغط على حكومتها لقبول وقف الحرب على غزة، بعدما فشلت محاولات ردع اليمن وظهور الكلفة العالية للحرب والمخاطر الهائلة في احتمالات توسيعها، أو كان الموقف الأميركيّ تعبيراً عن الفشل نفسه وخشية المخاطر بذاتها، فإن ما يترتّب على ذلك هو فتح المسار أمام الضغط اليمنيّ على «إسرائيل» باتجاه وقف الحرب على غزة، فإن النتيجة المترتبة على ذلك في الحالتين هي تسريع وتيرة الضغط لصالح وقف الحرب على غزة، وهذا كان أول مطلب لليمن من خوض غمار جبهة الإسناد لغزة.
ربما لم ينل الاتفاق حيزاً يناسب حجمه مقارنة بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان أو وقف إطلاق النار في غزة، لكنه في الحقيقة أهم منهما معاً، لأنه يردّ الاعتبار لفكرة وحدة الساحات ومشروع محور المقاومة، بالاعتراف الأميركيّ العلني بالعجز عن ردع اليمن الذي يمثل محور المقاومة اليوم ويترجم وحدة الساحات عملياً، من جهة، وبالمسار المترتب على الاعتراف الأميركي وما نتج عنه من تراجع، وهو مسار الضغط العملي لصالح وقف الحرب على غزة، وهذا جوهر مهام محور المقاومة ووحدة الساحات.
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني رئيس صحيفة البناء
*ناصر قنديل