“لن نترك غزة”

إب نيوز ٢٢ مايو

فهد شاكر أبوراس

ليس مجرد خطابٍ عاطفيٍّ يتباكى على أطلال الوحدة العربية، بل هو استراتيجيا مُحكمةٌ تُترجم على الأرض عبر حربِ استنزافٍ مُمنهجةٍ ضد الكيان الصهيوني وحلفائه، تهدف إلى قلبِ موازين القوة لصالح محور المقاومة والجهاد، وإجبارِ العالم على إعادة حساباته تجاه جرائم الإحتلال.

اليمن يرفض تماماً منطق “الصمت العربي والدولي المُتواطئ” مع مذبحة القرن في غزة، وحول كل مقدراته العسكرية إلى سيفٍ مسلطٍ على عمق الكيان الصهيوني.

فبينما تنامُ أنظمةُ التطبيعِ العربية على وسائدِ الإهانات الأمريكية، وتُموِّلُ جرائمَ الصهاينة عبر تقديمها القرابين تلو القرابين للأمريكي، يفرض اليمنُ حصارًا بحريًا تاريخيًا على ميناء حيفا، ويُعطل حركةَ الشحن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، ويُجبر شركات الطيران العالمية على الهروب من مطار اللد خوفًا من صواريخ باليستية باتت تُهدد سماء الكيان بعقابٍ عسكريٍّ لا يُفرّق بين ليلٍ ونهار. هذه الإجراءات ليست عملياتٍ عشوائيةً، بل ضرباتٌ حسابيةٌ تستهدفُ شرايين الإقتصاد الإسرائيلي، وتُظهر للعالم أن اليمن قادرٌ على تحويل المعادلة من حربِ دباباتٍ تقليديةٍ إلى حربِ وجودٍ اقتصاديٍّ تُذيب أسطورةَ التفوق العسكري الصهيوني.

أما على الصعيد الشعبي، فإن الزحوف المليونية في صنعاء ومدن اليمن تُعيد إحياء مفهوم “الأمة الواحدة”، وتُرسل رسالةً واضحةً للفلسطينيين: “لستم وحدكم”. هذه الوحدةُ اليمنية الداخلية حول قضيةٍ عابرةٍ للحدود تُشكلُ إحراجًا أخلاقيًا للأنظمة العربية التي حوّلت القضيةَ الفلسطينيةَ إلى سلعةٍ سياسيةٍ رخيصة، بينما اليمنُ يدفعُ دماءَ أبنائه ثمناً لموقفه، دون أن ينتظرَ شكرًا من أحد.

أمام هذا التصعيد، تبدو إسرائيلُ كعملاقٍ من طين؛ فمهما حاولت إخفاءَ تأثير الضربات اليمنية عبر تصريحاتٍ استعراضية، فإن إغلاقَ مطاراتها وتآكلَ ثقةِ الشركات الدولية بها يكشف هشاشةَ مشروعها الاستيطاني، الذي ظلّ لعقودٍ يُجارِي الأزماتَ الإقليميةَ دون من يُحاسبه.

اليوم وبفضل الله وتأييده لم يعد بوسع الكيان الصهيوني الهربُ من ثمنِ جرائمه؛ فكلُّ طائرةٍ تُحلقُ فوق غزة سوف تدفعُ ثمنُها بصراخ بورصات تل أبيب، وكلُّ سفينةٍ تنقلُ سلاحًا أمريكيًا قد تُغرقُها صواريخُ بحريةٌ يمنيةٌ في قاعِ البحر الأحمر.

اليمنُ، باختصار، يُعيدُ تشكيلَ قواعد اللعبة: من دولةٍ تُوصفُ بالضعفِ في حساباتِ الغرب، إلى لاعبٍ استراتيجيٍّ يُحرجُ التحالفاتِ الدولية، ويُعيدُ للقضية الفلسطينية بريقَها الثوري، مُثبتًا أن المقاومةَ ليست خيارًا عسكريًا فحسب، بل فنُّ تحويلِ الهزائمِ العربية إلى كوابيسَ استراتيجيةٍ للعدو.

لذا فإن الإرادةُ اليمنيةُ في حقيقتها هي أشدُّ فتكًا من كل تريليوناتِ الدمى العربية المُسلمة لواشنطن”، وهذه الإرادةُ هي ما سَيُكتبُ في تاريخِ الصراعِ كأولِ مرةٍ ينقلبُ فيها العربُ من خانةِ الضحيةِ إلى مهندسِ أزماتِ العدو الوجودية.

You might also like