صرخة المقاومة تشقق جدار الصمت وتعيد رسم معادلة الصراع  

إب نيوز ٢٤ مايو

فهد شاكر أبوراس

يبرز اليمن كشعلة متأججة في سماء الامة، يعيد للضمير المغيب حرارته، وللامل المفقود بريقه.

فبينما تحاصر غزة بدماء اطفالها تحت انقاض القصف الاسرائيلي الممنهج، وتُباد عائلات بأكملها بقنابل حارقة تذوب تحتها الحجارة قبل الاجساد، يخرج اليمنيون من تحت ركام حرب دامت عقدا وحصار خانق ليرسموا باجسادهم المنهكة دربا جديدا للمقاومة: درب التضامن الشعبي المسلح بارادة لا تنكسر، وخطاب ثوري يفضح زيف الانظمة ويحرج صمتها.

هنا، حيث يتحول الفقر الى وقود للثورة، والمعاناة الى مدرسة للعزيمة، يعلن اليمن ان معركته وغزة واحدة، لا انفصام فيها بين الدم والدم.

فالملايين الذين احتشدوا في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء والمحافظات رافعين شعار “ثباتا مع غزة”، لم يكونوا يهتفون للفلسطينيين فحسب، بل كانوا يعيدون تشكيل وعي الامة: ان التحرر لا ينتظر غنى او جيوشا، بل ارادة تحول الحجر سلاحا، والكلمة صاروخا.

انها معادلة جديدة يدشنها اليمن في مواجهة “جريمة القرن”، حيث تصبح المسيرات الجماهيرية ضغطا معنويا يعادل في تأثيره التصعيد العسكري، والخطاب الثوري سلاحا يهز كيان العدو اكثر من اي تهديد تقليدي.

لكن اليمن لا يكتفي بالصرخة؛ فـ”صواريخ الاسناد” التي تشق آفاق السماء باتجاه مطار اللد ليست مجرد رد عسكري، بل هي استراتيجية محكمة لتحويل الصراع الى معركة وجود شاملة.

فاستهداف العمق الاسرائيلي، وان بدا رمزيا في ظل محدودية الامكانيات، يحول “المقدسات الصهيونية” الى ساحات مفتوحة للرعب، ويعيد حسابات العدو الذي اعتاد ان يبادر دون ثمن.

انه تصعيد ذكي يربك الاقتصاد الاسرائيلي، ويفتح جبهة جديدة تستهلك موارد الكيان المغتصب، وتثبت ان زمن الهروب العربي من المواجهة قد ولى، حتى ان كان الثمن ان تدفعها شعوب مثقلة بالحروب.

خطاب السيد القائد، عبد الملك الحوثي، لم يكن مجرد تحريض على المقاومة، بل كان تشريحا دقيقا لـ”النفسية اليهودية” التي تقبع خلف آلة القتل: عقلية استعلائية لا تروى الا بدماء الضحايا، ولا تفهم الا بنور القرآن.

انه خطاب ينسف شرعية الكيان من جذورها، ليس باعتباره كيانا سياسيا فحسب، بل كمشروع عقائدي قائم على “الخرافات”، حيث تقدم ارواح الفلسطينيين قرابين لاساطير مزيفة. هنا، يصبح الصراع مع اسرائيل صراعا بين مشروعين: مشروع يقوده اليمن والفلسطينيون، قائم على الايمان بالقدرة الالهية على تحرير الارض، ومشروع صهيوني مأزوم، ينهار تحت وطأة تناقضاته رغم دعم القوى العظمى.

الهدف اليمني الاستراتيجي يتجاوز تحرير غزة او وقف العدوان؛ انه يسعى لقلب المعادلة الاقليمية برمتها. فباشعال فتيل التضامن الشعبي، وخلق نموذج عملي للمقاومة المتصاعدة، تجبر اليمن الانظمة العربية على خيار واحد: اما الانحياز لخطاب الدم الفلسطيني، او الوقوع في فخ العار التاريخي. انها معركة لاثبات ان “الضعف العربي” ليس قدرا، وان بامكان شعب جائع ان يلهم امة باسرها، وان يحول الحصار الى منصة للانطلاق.

اما الغاية الكبرى، فهي تحويل الصراع من مواجهة عسكرية بين فلسطين واسرائيل الى حرب ارادات شاملة تشارك فيها الشعوب قبل الحكومات، وتستخدم فيها كل الادوات: من الصواريخ الى الخطابات، ومن المقاطعة الاقتصادية الى الحرب النفسية.

اليمن يدرك ان انتصار غزة لن يكون باسقاط صواريخ فحسب، بل بهزيمة “العقلية الصهيونية” التي ترى في الدم الفلسطيني طريقا للخلاص.

وهذا ما يفسر تركيز الخطاب اليمني على تفكيك الرواية الصهيونية عالميا، وكشف تواطؤ الغرب في ادامة الجريمة.

ختاما، اليمن لم يعد مجرد طرف داعم للمقاومة؛ بل اصبح نموذجا ثوريا يعيد تعريف المقاومة ذاتها: فالشعب الذي يحاصر ويقاتل، ويجد في قوت يومه معجزة، يعلم العالم ان الحق لا يقتل، وان الدم اليمني والفلسطيني، حين يمتزجان في ساحات المواجهة، يصنعان تاريخا جديدا تكتب فيه هزيمة المشروع الصهيوني بيد من كانوا ضحيته الاولى.

You might also like