الحج إلى غزة
إب نيوز ٢٨ مايو
محمد صالح حاتم
في هذه الإيام يتوافد ملايين المسلمين إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة لأداء شعيرة الحج، هذا الركن العظيم الذي قال الله تعالى فيه:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
ركن جعله الله مشروطًا بالاستطاعة، في المال والبدن والطريق، فلا يجب إلا على من توفر له السبيل. وتُنفق في هذا الموسم المبارك مليارات الدولارات، وتُسخّر الطاقات الهائلة، وتُخصص القنوات والخطابات والنداءات للحديث عن عظمة هذا الركن، وهو كذلك من أعظم شعائر الإسلام.
لكن في ذات اللحظة التي يُرفع فيها التكبير من جبل عرفات، تُسمع صيحات الاستغاثة من تحت ركام غزة.
وفي الوقت الذي تُرمى فيه الجمرات، تتساقط القنابل على منازل الأبرياء، وفي الوقت الذي يُذبح فيه الهدي قرب منى، يُذبح أطفال غزة بدم بارد، وتُقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والمخيمات، ويُمنع عنهم الغذاء والماء والدواء، وتُرتكب بحقهم أفظع المجازر.
وفي غمرة هذا الموسم العظيم ، يغيب عن أذهان كثير من المسلمين،أو يتناسون أن المسجد الأقصى ما يزال تحت الاحتلال الصهيوني، تدنسه أقدام المستوطنين المدججين بالسلاح، في ظل حراسة جيش مغتصب.
المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما يزال يصرخ مستغيثًا، ينادي أمة المليار: أين أنتم؟!
فهل نسي المسلمون أن في دينهم فريضة أخرى غير مشروطة بالاستطاعة؟ بل هي واجبة متى ما وقع العدوان وتعرض المسلمون للهلاك؟
إنها فريضة الجهاد، التي قال الله تعالى عنها:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]،
وقال أيضًا:
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 75].
وفي آية أخرى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216].
إن ما يحدث في غزة ليس معركة سياسية ولا خلافًا حدوديًا، بل هو معركة الإسلام في وجه الطغيان الصهيوني العالمي، الذي يريد أن يُسكت صوت المقاومة ويكسر إرادة الأمة ويُنهي قضية فلسطين.
والعجيب أن هذه الجرائم تُرتكب أمام أمة تعدّ أكثر من مليار مسلم، منهم من يملك الثروات الطائلة، والجيوش العرمرمية، والمنابر الإعلامية والدبلوماسية، ثم لا يتحرك منها إلا صوت الادانه والاستنكار؛ بل إن بعض الانظمة العربية والاسلامية تدعم الكيان المغتصب، وتمده بالمال والسلاح.
أليس من الأولى، قبل أن نحج إلى مكة، أن تحج قلوبنا إلى غزة؟
أليس من الأولى أن نُحمل أموالنا لمساعدة الجوعى والجرحى والمرابطين على الثغور؟
أليس من الأولى أن نرتدي كفن الجهاد بدل كفن النسك المترف، ونحن نرى الدين يُذبح في غزة؟
أليس الجهاد اليوم أولى من النافلة؟ وأعظم من حج التطوع؟
لقد أصبحت غزة هي القبلة الثانية للكرامة، والمسجد الأقصى الجريح هو وجهتنا المقدسة المغتصبة، ومن لم يستطع القتال فيهما بيده، فلا أقل من أن يجاهد بقلمه وصوته وماله، ويقاطع العدو،ويقاطع منتجاته، ومن يطبع معه، ويكسر جدار الصمت الذي هو أخطر من جدار الفصل العنصري.
غزة اليوم ليست فقط رمزًا لفلسطين، بل مِحراب الجهاد، وموضع الاصطفاء الرباني، كما قال تعالى:
{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يُنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
وفيها تُفرز الأمة، من هو مع الله، ومن هو مع الطغيان.
نحن لا نقلل من شأن الحج، ولكننا نصرخ في وجه الغفلة:
إن الحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلا، أما الجهاد فهو واجب لا يُؤجل عندما تذبح غزة وتُدنس الأقصى.
فيا حجيج بيت الله، لا تنسوا حجيج غزة، الذين طافوا حول ركامهم، وسعوا بين الموت والحصار، ووقفوا بعرفة الجهاد، ولبّوا نداء الله:
{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41].
إن الحج إلى غزة اليوم، هو فرض واجب على جميع المسلمين.
وإن تحرير الأقصى، ليس حلمًا، بل عهدٌ وواجبٌ لا يسقط بالتقادم…