صنعاء لا تقرأ نظريات الحرب… تكتبها.!!
إب نيوز ٤ يونيو
فهد شاكر أبوراس
بينما كان العالم يرسم لليمن صورة الضحية تحت نيران عدوان سعودي إماراتي استمرت ثماني أعوام، فاجأت صنعاء العالم في أكتوبر 2023م وكتبت فصل جديد من الصمود بمداد الدم والبارود.
لم تكن طائراتها المسيّرة والصواريخ الباليستية التي اخترقت سماء “الكيان الصهيوني” مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل كانت الشرارة الأولى لحرب استنزاف غير مسبوقة أعادت تشكيل معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني من جذورها.
لقد حول اليمن البحرين الأحمر والعربي من ممر للجرائم الصهيونية إلى خندق مقدس للدفاع عن غزة، وبرهن للعالم أن محور المقاومة والجهاد قادر على قلب موازين القوى العالمية بترسانة من الإيمان وأسلحة بسيطة تصنع المعجزات.
لم يكن يوم السابع عشر من أكتوبر من العام 2023م مجرد تاريخ عسكري، بل كان بمثابة زلزالاً استراتيجياً هز عروش الطغاة وكيان الإحتلال، عقب إعلان القوات المسلحة اليمنية السيطرة على السفينة “جلاكسي ليدر” كأول لبنة في حصار بحري تاريخي سيفرض قواعد اللعبة على أعداء الأمة.
لقد فهم اليمنيون منذ الوهلة الأولى أن معركة المصائر تحسم بضرب العصب الإقتصادي للكيان، فحولوا مضيق باب المندب شريان حياة الكيان الغاصب إلى سجن مائي تحاصر فيه سفن الإحتلال كما الفئران في المصيدة.
وبحلول سبتمبر 2024م، كانت 199 سفينة إسرائيلية وأمريكية وبريطانية قد تحولت إما إلى حطام غارق في البحار أو أسير في قبضة صنعاء على الشواطئ اليمنية، فيما تحول ميناء إيلات إلى مدينة أشباح بعد شل 95% من حركته.
وهنا تكمن العبقرية الإستراتيجية للقوات المسلحة اليمنية: “تحويل الجغرافيا إلى سلاح، والمياه الدولية إلى ساحة حرب غير متكافئة يدفع فيها الطغاة ثمن جرائمهم في غزة قطرة قطرة” .
لم تكن العمليات البحرية اليمنية سوى الفصل الأول من معركة التحرير الشاملة، ففي اليوم التاسع عشر من أكتوبر 2023م، كتبت الصواريخ اليمنية فصلاً جديداً في تاريخ الصراع عندما اخترقت سماء الكيان الصهيوني وفضحت زيف “القبة الحديدية” الإسرائيلية، وكشفت عورة المنظومة الأمنية الأمريكية “ثاد” الأكثر تكلفة في التاريخ.
إن أكثر من سبعين صاروخاً باليستياً وفرط صوتي، وأكثر من ثلاثمائة طائرة مسيرة أُطلقت بحرفية عسكرية فائقة، حولت تل أبيب إلى ساحة ذعر شبه يومي شهدت فيها قطعان الصهاينة مشاهد لم تخطر ببالهم يوما من أنها ممكنة: ملاعب كرة قدم تخلى بالكامل في وضح النهار، ومستوطنون يفرون إلى الملاجئ كالفئران، واقتصاد يترنح تحت وطأة حرب غيرت قواعد الإشتباك.
فعلاً لقد حول اليمن نظرية الردع الإسرائيلية والإمريكية إلى أسطورة مكشوفة، وبرهن للعالم أن إرادة المقاومة قادرة على اختراق كل الحواجز التكنولوجية عندما توقد بنار الإيمان.
وعندما حاول الكيان المحاصر جر حلفائه لإنقاذه من الهاوية، جاء الرد اليمني كالصاعقة التي أرعبت البيت الأبيض نفسه.
فبعد أن شن التحالف الأمريكي البريطاني غارات هستيرية على اليمن في ديسمبر 2023، لم تتراجع صنعاء خطوة واحدة بل وسعت دائرة الحظر لتشمل بعد ذلك السفن الأمريكية والبريطانية، ورفعت سقف التهديد إلى مستوى لم تتوقعه واشنطن بضرب حاملات الطائرات الأمريكية، وهو التهديد الإستراتيجي الذي حول البحر الأحمر إلى مقبرة لأساطيل الغطرسة.
ومع حلول فبراير 2025م، كانت حاملات الطائرات الأمريكية قد انسحبت من البحر الأحمر خائبة صاغرة تجر أذيال الهزيمة، تاركة الكيان الصهيوني يواجه مصيره وحيداً، فيما وقعت واشنطن اتفاقاً لتحييد نفسها من إسناد كيان الإحتلال، بمقابل وقف استهداف صنعاء لسفنها التجارية ورفع الحظر عنها في البحرين الأحمر والعربي، وهي المفارقة التي ستدرس في كليات الحرب: “شعب تحت الحصار يفرض شروطه على أعتى قوة عسكرية في العالم”، وينتزع الإعتراف بقوته من أفواه أعدائه.
ولم يكن اليمن ليرضى بنصف انتصارات، ففي مايو 2025م، وسع معركته لتشمل المجال الجوي لإكمال حلقة الحصار الاستراتيجي على الكيان الصهيوني.
إن إعلان الحظر الجوي على مطار اللد المسمى إسرائيلياً مطار “بن غوريون” لم يكن خطاباً سياسياً، بل توجه بضربة تاريخية في الثامن عشر من مايو حين اخترق الصاروخ اليمني الفرط صوتي كل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية وشل حركة المطار وحول صالاته الفاخرة إلى ملاجئ للمستوطنين.
لقد كشفت تلك العملية النقاب عن سر خطير وهو “أن المنظومة الدفاعية للكيان الصهيوني ليس إلا مجرد قشرة فارغة لا تقوى على مواجهة التقنية اليمنية”، وأن السماء آخر معاقل الأمن الصهيوني أصبحت جبهة مفتوحة في حرب الإبادة.
وبعد أن أغلقت القوات المسلحة اليمنية ميناء حيفا في يونيو 2025م ، أصبحت الخريطة الإقتصادية للكيان الصهيوني تشبه جثة نازفة تنزف 14 مليون دولار شهرياً: انهيار الواردات بنسبة 80%، وارتفاع تكاليف الشحن إلى 400%، وإغلاق 46 ألف شركة، وهروب 44% من شركات التقنية، إن هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي شواهد دامغة على نجاح استراتيجية “الإستنزاف المركب” التي نسجت خيوطها بين الضربات الصاروخية والحصار البحري والجوي لتصنع نسيجاً خانقاً حول رقبة الكيان الصهيوني.
لقد حوّل اليمن أزمته إلى أوراق ضغط قاتلة، وحول حصار الأعداء له إلى شريان حياة للمقاومة الفلسطينية.
ومن المتوقع أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات استراتيجية تصعد بالصراع إلى مدارات غير مسبوقة: أولاً: تصعيد الضربات الجوية لشل شبكة النقل الصهيوني براً وبحراً وجواً.
ثانياً: تعميق التعاون العسكري مع محور المقاومة لنقل تكنولوجيا الصواريخ الفرط صوتية إلى كل الجبهات.
ثالثاً، تحويل حصار صنعاء البحري على الكيان الصهيوني إلى سلاح سياسي لفرض إنهاء الحصار على غزة كشرط مسبق لأي تفاوض.
والسؤال الذي يرعب تل أبيب اليوم ويهز كيانها: هو ماذا لو طبقت دول محور المقاومة والجهاد “النموذج اليمني” وبشكل متزامن..؟!
كيف ستتصدى “القبة الحديدية” لو أمطرتها صنعاء وطهران وحزب الله وكتائب القسام وسرايا القدس والمقاومة الإسلامية في العراق بالصواريخ في آن واحد..؟!
إن مشهد انسحاب حاملات الطائرات الأمريكية من البحر الأحمر ليس إلا مجرد لمحة بسيطة عن المستقبل الذي ستكتبه صنعاء وباقي عواصم المحور بدماء الشهداء.
نحن جيل التحرير سنذيقهم من كأس المقاومة والجهاد ما أذاقونا لسنوات من حصار ودمار.!
لقد برهن اليمن أن حرية غزة لا تنتزع بمؤتمرات السلام الوهمية، بل بصواريخ تصمم في كهوف الجبال وتطلق بقلوب عامرة بالإيمان.