مجاعة غزة: هندسة إبادة اجماعية، بتواطؤ عربي وعالمي.
إب نيوز 20 يوليو
فهد شاكر أبوراس
الجوع في غزة ليس مجرد أثر جانبي للحرب، بل سلاح مصمم بدقة عالية بغرض تحقيق أهدافاً إبادية بطيئة تحت غطاء الحصار والدمار، والوجهُ الأكثر قسوة لحرب القرن الحادي والعشرين، بحيث تحاصر أكثر مدينة كثافة سكانية وأصغر جرافيا في العالم، ومنع عنها القوت والدواء والوقود بذريعة الأمن، فيما الواقع يكشف مخططاً لتحطيم إرادة شعب وإجباره على الركوع أو الرحيل.
الأرقام تتحدث عن كوارث صحية: أطفال يموتون بسوء التغذية أمام شاحنات المساعدات المحتجزة عند المعابر المغلقة، والمرضى يسقطون موتى بسبب انعدام الأدوية الأساسية وانهيار المستشفيات تحت القصف المتواصل، والمخابز خاوية بعد منع دخول الطحين والوقود.
وهنا يكمن العار العالمي: دول ترفع شعارات حقوق الإنسان وهي تمول وتسلح من يقتل ويجوع الأطفال في غزة على مرأى ومسمع الجميع.
المجتمع الدولي بجميع بمؤسساته الفاشلة من مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى المؤسسات الإنسانية وغيرها يتحول إلى متفرج يكتفي بـ”القلق العميق” و”الدعوات” العقيمة جراء المجاعة في غزة، بينما آلة القتل الصهيونية تعمل دون رادع.
العدو الصهيوني لا يخفي تلذذه بهذه المعاناة، بل يبررها ويجملها في إعلامه كضرورة أمنية أو كـ”حرب على الإرهاب” بحسب السردية الصهيونية وفي هذه اللحظة التاريخية المظلمة، يتجلى اختبار الموقف العربي الرسمي بكل مرارته: فما يدعى بالأخ في الدين والعروبة والجار يصر على إبقاء معبر رفح موصداً أو مقيداً بشكل خانق، مختبئاً وراء حجج أمنية تخدم بالضبط أجندة المحتل في تعميق الحصار وتجويع الغزيون، ومن يقال عنه بالشقيق يغلق نوافذ الدعم السياسي والمالي في وجه أبناء غزة، بل ويتعاون علناً في تطبيع يطيل أمد الجريمة.
بينما تدار اللعبة الكبرى من دوائر المخابرات الصهيونية (الموساد) والتي تنسج خيوط مشروع التهجير القسري تحتَ مسمى “الترانسفير الطوعي”. تقارير استخباراتية وإفادات مسربة تؤكد أن “الريفييرا الموعودة” ليست مجرد كذبة صهيونية فقط بل هي مشروعاً معلناً لدى دوائر حاكمة في تل أبيب وذلك من أجل تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة لدفع سكانه إلى الهجرة عبر البحر أو عبر الحدود نحو دول ثالثة أفريقية أو أوروبية بمقابل إغراءات مالية أو وعود بالجنسية، وذلك ياتي بدعم وتمويل من دول عربية تتعامل مع الكارثة الإنسانية في غزة كفرصة للتخلص من “القضية المزعجة”. ثلاث دول على الأقل وفقاً لمصادر موثوقة تفاوض سراً لعملية استقبال الغزيون في صفقة تبادلية مع تل أبيب، مجردة القضية من جوهرها كقضية احتلال وتهجير وتحرير.
وفي خضم هذا المشهد المؤلم، جاء إعلان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس “المقاومة الفلسطينية” عن فك ارتباطها مع الأنظمة العربية “الخاذلة” في ساعة العسرة، كزلزال سياسي وإنساني وضع كل طرف أمام مسؤولياته التاريخية.
لم يكن مجرد بيان عسكري فقط، بل كان بمثابة صرخة تمرد على نظام التبعية العربي الرسمي، وقطيعة رمزية مع شرعنة الخذلان، ورداً على هذا التحول الدراماتيكي، تصدرت هيئة علماء فلسطين المشهد وبدعوة ملحة لاستنهاض الأمة بكاملها، داعية شعوبها لا حكوماتها لكسر قيود الخوف والتبعية، والتوحد لنصرة غزة المستضعفة.
النداء يركز على تفعيل أدوات الضغط الشعبي: من مقاطعة اقتصادية شاملة لمنتجات الكيان والمتعاونين معه، إلى تحريك الساحات والمساجد، وصولاً إلى دعم أشكال المقاومة المشروعة كحق أصيل في مواجهة الاحتلال والإبادة.