طفلُ غزّةَ… لماذا أَموتُ جوعًا يا قلم؟!
إب نيوز 23 يوليو
عدنان عبدالله الجنيد.
تمهيدُ الجوعِ في فمِ البراءة:
بصوتِ طفلٍ من غزّة، وبنزيفِ قلمٍ لا يحتملُ الصمت…
يا قلم…
يا من علّمتَ الناسَ كيف يكتبون الحقيقةَ في وجه الطغيان، وعلّمتنا أن الكلمة نور، وأن الحرف سلاح…
أنا طفلٌ من غزّة، أكتبُ إليك لا لأنني أُحسن الكتابة، بل لأنّ جوعي فاق قدرتي على الصمت.
أنا الذي لم أذق طعم الطفولة، ولم أعرف من الحياة سوى الخوف…
أنا الذي أموتُ لا لأنّ قذيفةً سقطت على رأسي، بل لأنّ رغيفًا لم يصل… ومعبرًا لم يُفتح!
صرخةُ الطفلِ أمامَ خرائطِ العروبة:
لماذا أموتُ جوعًا يا قلم؟!
أأنتَ من كتبتَ عن مصر العروبة؟ عن الطريق إلى حيفا الذي شُقَّ بدماء أبنائها، وعن عبد الناصر، وعن ميدان التحرير، وعن شعبٍ إذا غضبَ خلع الطغاة؟
فلماذا، يا قلم، أموتُ هنا على بوابة رفح؟ لماذا لا تصرخ حروفك؟
هل كتبْتَ عن شعبٍ لا يُذلُّ، فإذا به يُجَوِّعُ إخوتهُ خوفًا من صفقات السياسة؟
هل الطريقُ إلى حيفا أقرب من الطريق إلى غزة؟!
أأنتَ من مدحتَ النشامى في الأردن؟ وكتبتَ عن كرامتهم، عن الوصاية الهاشمية، عن فروسيتهم؟
فلماذا اليومَ تقفُ القوافلُ على حدودهم، وأنا أتلوّى من الجوع؟
هل أصبحت النخوةُ بيانًا في الأمم المتحدة؟
أأنتَ من تغنّى بـسوريا العروبة؟ بـالشام الذي قاتلَ مع فلسطين؟
فلماذا لا يسمعنا صوتُ دمشق؟
هل أنهكتها الحروب حتى لم تعد تسمع بكاء أطفال غزة؟!
أينَ أُمّةُ النُّخوةِ؟!
يا قلم…
أأنت من كتبتَ عن أُمّةٍ لا تتركُ مريضها، ولا تُجَوّعُ طفلها؟
أين هي الأمة؟!
أين الأزهرُ الشريفُ؟
أين الحرمُ الملكيّ؟
أين المجمعُ الفقهيّ؟
أين كربلاء المقدّسة؟
أما من صوتٍ فيها يهتزُّ لرضيعٍ يحتضر؟!
لماذا لم تكتبْ عن اليمن؟!
صرخةُ الطفل مجددًا:
يا قلم…
لماذا لم تكتب عن اليمن؟
عن من أغلق البحر الأحمر في وجه السفن، لا المعابر؟
عن من قال للعالم: من يحاصر غزة، سنحاصره!
لماذا لم تُسطّر ذلك النصر الإيماني؟
لماذا تمجّد من خذل، وتصمت عن من انتصر؟!
مداخلةُ الكاتب: شهادةُ الانحيازِ للحقّ:
آهٍ يا بنيّ، آهٍ يا زهرة الجراح في قلبِ العروبة…
كلماتك تنفجرُ كالقنابل في وجه العالم، توقظ الضمائرَ إن بقي منها بقية.
لستَ وحدك من يسأل، فنحن أيضًا نسأل:
كيف يموت طفلٌ جوعًا في عصر التكنولوجيا والغذاء الفائض؟
كيف يُمنع الخبز عن مدينةٍ مقدسة، ويُساق الحليبُ إلى بيوت القتلة؟
كيف تُغلق المعابرُ بأمرٍ من أنظمةٍ تعرفُ الدينَ في الخطب، وتنكرهُ في القرارات؟!
يا بني…
كلماتك آيةٌ في كتابِ الألم، ولن تُنسى.
القلمُ يردُّ مرتجفًا: هذا زمنُ السقوط
يا صغيري…
أنا القلمُ الذي كتبَ عن الشعوب، عن التاريخ، عن العروبة، عن الثورة، عن الأمل…
لكنني اليوم أكتبُ عن الخذلان، عن السقوط الأخلاقي، عن خيانة العهود، عن نكبةٍ جديدةٍ لم تأتِ من الصهاينة فقط، بل من ذوي القربى أيضًا.
يا بني…
﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾…
نسوا الله، فأنساهم ضمائرهم…
نسوا الله، فصمتوا على تجويعك…
نسوا الله، فباعوا الأقصى والعقيدة، مقابل كراسيَّ تُنتخب بالدولار.
أصبحت ثقافتهم غربيةً هزيلة، ترى في الجوعِ عقابًا لا كارثة،
وترى فيك رقمًا لا روحًا،
وفي دمك “قضية محايدة” تُناقَش لا تُنقَذ.
رسالةُ الإيمان: لن يغلبكَ الجوعُ ما دامَ الله معك
لكن يا بني…
لا تَزْعَل، فإرادةُ الله فوق كل إرادة…
لقد شاء اللهُ أن تكون أنت المصحّح لمفاهيم هذا الدين…
أن تعيد النقاء إلى الرسالة، وتفضح تجار الهيكل، وتكشف زيفَ المطبعين الذين مجّدوك بالأمس… ثم تخلّوا عنك اليوم!
ثق أن الله ما كان لِيَظْلِمَ عبدًا…
ثق في وعده:
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾
ثق، أن النصر ليس بعيدًا…
وأن الجوع لن يدوم، وأن هؤلاء الذين تركوك، سيُسألون أمام الله عن موتك!
الخاتمة: شهادةُ القلم في زمنِ العار:
أنا القلم…
كنتُ أكتب عن المجد، فإذا بي اليومَ أكتبُ عن العار.
كنتُ أكتب عن الأمل، فإذا بي أكتبُ عن طفلٍ يموت جوعًا في حضن الأمة!
يا صغيري…
موتُك ليس مجرّد مأساة…
موتُك هو نهايةُ ضمير، وانتحارُ نخوة، وفضيحةُ قرنٍ كامل من الزيف.
لكنن نظري سأبقى أكتب،وأشهد،وألعنُ في كل سطرٍ كل من صمتَ، وساهم، وخان…