٦٠ ألف شهيد و٢٠٠٪ تطبيع: “المعادلة الصفرية لغزة في زمن التواطؤ”
إب نيوز ٣٠ يوليو
فهد شاكر أبوراس
تسيل الأرقام من بين أنقاض غزة كأنهار لا تنضب:
ستون ألف شهيد وأكثر، نصفهم أطفال ونساء لم يعرفوا معنى الحرب ولكنهم عرفوا طعم الموت المنظم.
الأرقام هنا ليست مجرد إحصائيات، بل هي شهادات حية على إبادة ثلاثية الأبعاد: قصف ممنهج للمدنيين في مراكز إيواءهم ومستشفياتهم (26 مجزرة في 48 ساعة)، وتجويع متعمد حول 90 ألف امرأة وطفل إلى هياكل عظمية و (101 وفاة جوعاً بينها 80 طفلاً)، وتدمير ممنهج للبنى التحتية التي تحفظ الحياة.
في غزة أنهار 80% من المستشفيات، الأطباء تحولوا إلى محاسبين للموت: طفل السكري “رفيق” (12 عاماً) صار نموذجاً لمعادلة الموت الجديدة، فالأنسولين بلا طعام يقود إلى غيبوبة سكر، والطعام بلا أنسولين يعد موت بطيء.
أربعة أطفال سقطوا ضحايا هذه المعادلة الشيطانية في يناير 2025 وحدهم، بينما حديثو الولادة يختنقون في حضانات توقفت عن العمل.
هذه الصورة المروعة لا تنفصل عن مشهد مواز: حيث 922 فلسطينياً استشهدوا أمام حواجز توزيع الغذاء، جثثهم تشهد أن التجويع سلاح مصرح به.
وفي لحظة كان يفترض أن يكون العالم فيها شاهد إنصاف، برز التواطؤ العربي كضلع أساسي في المأساة، فبينما تذبح الأسر في قطاع غزة، تتحرك أنظمة عربية في دهاليز السياسة لترويج “صفقة القرن المعدلة” والتي تكرس شروط الاحتلال: والمتمثلة “بنزع سلاح المقاومة”، مقابل هدنة هشة، وكأن هؤلاء لم يعوا درس العقود السبعة؛ فالتنازلات لم تنتج سوى ابتلاع 85% من أرض فلسطين التاريخية.
والمفارقة الأكثر مرارة هي أن بعض هذه الأنظمة العربية زاد تعاونها الأمني مع إسرائيل بنسبة 200% منذ أكتوبر 2023م بينما ترفع في العلن شعارات التضامن مع غزة.
أما المجتمع الدولي، فلم يكتف بالصمت بل شارك في التطهير، “الفيتو الأمريكي” المتكرر في مجلس الأمن يكمل جريمة الحصار، بينما 74 شاحنة مساعدات يومياً لمليوني جائع هي سخرية قاتلة.
حتى موظفو الإغاثة لم يسلموا: فـ “57” موظف قتلوا من كوادر الأونروا وسقطوا بقصف متعمد، كرسالة واضحة بأن الكيان الصهيوني يرفض أن يبقي شهوداً على جرائمه، وهذا التواطؤ العالمي لم يكن ليستمر لولا الغطاء السياسي الذي توفره أنظمة التطبيع العربية للكيان الصهيوني، بحيث تحولت تلك الاتفاقيات إلى شهادات براءة لجيش الاحتلال.
والنتيجة الحتمية لهذه الحلقة المفرغة تظهر في الأطفال الذين يولدون على أنقاض بيوتهم، حاملين شهادات وفاة قبل شهادات الميلاد.
إنها حلقة تبدأ من قنبلة تفتك بعائلة في مخيم جباليا، وتمر عبر أنظمة عربية تبارك الجريمة بتطبيعها، وتنتهي عند صمت دولي يمول بأموال الضرائب الغربية والجزية العربية.
كل حلقة تغذي الأخرى: التواطؤ العربي يشرعن الصمت الدولي، والصمت الدولي يطلق يد الاحتلال، ولكن غزة تكسر هذه الحلقة بإرادة تظهر حتى في طفل يحمل حجراً تجاه دبابة، ودماء شهدائها لم تعد أرقاماً، بل أصبحت بوصلة أخلاقية للعالم، فالمظاهرات المليونية من “لندن” إلى “جوهانسبرغ” تشير إلى أن الشعوب أدركت ما أخفاه قادتها: بأن “السلام” مع قاتل الأطفال ليس سلاماً بل استسلام للهمجية.
المعركة هنا تجاوزت الصراع على الأرض إلى اختبار للضمير الإنساني فمن يقف مكتوف الأيدي أمام جريمة ترتكب بالبث المباشر، يكون شريكاً في الجريمة، والدرس الأكبر هنا تكتبه غزة بحروف الدم: أن التنازل عن المقاومة انتحار جماعي، والتاريخ يثبت أن كل متر تسلمه الأنظمة العربية للاحتلال، يتحول إلى قاعدة عسكرية لضرب المدنيين في غزة.
لكن دم الطفل رفيق سليم وأقرانه لم يذهب سدى، لقد حول غزة إلى قلب نابض يذكر العالم بأن الحق لا يموت.
والسؤال الذي يطرق أبواب التاريخ الآن: هو “هل ستستفيق الأنظمة العربية قبل أن تتحول كل عواصمها إلى “غزة” جديدة..؟!”