القادة وإرادَة الاستسلام للغطرسة الصهيونية

إب نيوز ١٦ سبتمبر

فهد شاكر أبوراس

كانت الفرصة سانحة أمام القمة لأن تشكل منعطفًا تاريخيًّا حاسمًا، ونقطة فاصلة في مسار الأزمة، بحيث يتم حشد كُـلّ موارد الدعم السياسي والمادي والضغط بكل ما أوتيت من أدوات لفرض قرارات جريئة تكسر الحصار الخانق على غزة وتوقف العدوان المتواصل

تريد قمة الدوحة تكريس النموذج المأزوم في الفعل العربي والإسلامي السياسي الرسمي، وهو نموذج لا يخرج عن إطار التردّد والعجز والتبعية، محكومًا بحسابات ضيقة تعلو فيها المصالح الفردية للأنظمة على مصلحتها الدينية والقومية الجوهرية وعلى معاناة الشعب الفلسطيني.

لقد كانت الفرصة سانحة أمام القمة لأن تشكل منعطفًا تاريخيًّا حاسمًا، ونقطة فاصلة في مسار الأزمة، بحيث يتم حشد كُـلّ موارد الدعم السياسي والمادي والضغط بكل ما أوتيت من أدوات لفرض قرارات جريئة تكسر الحصار الخانق على غزة وتوقف العدوان المتواصل، ولكن الإرادَة الغائبة والجرأة المفقودة والهيمنة الواضحة للأجندات الخارجية حولتها إلى محطة أُخرى في مسلسل طويل من العطالة والتفريط، مما يعني أن قراراتها، سيكون شأنها شأن سابقاتها، وستذهب أدراج الرياح، تذروها رياح المصالح والتبعية، لتضيف حلقة جديدة من حلقات الخيبة والغضب الشعبي العربي والإسلامي.

ما يلفت في هذه القمم هو براعة الأنظمة في إدارة الصراع بين غضب الشارع الذي يصل إلى حَــدّ الغليان، وضغوط القوى الغربية الداعمة للكيان الصهيوني بشكل أعمى.

إنها معادلة صعبة يحاول فيها الدبلوماسي العربي والإسلامي إيجاد مساحة للتوازن، لكنها تنتهي دائمًا إلى الانحياز لخطاب الترويض وكسب الوقت، وليس لخطاب المواجهة والتغيير.

فالقرارات لا تخرج بلغة واضحة وحاسمة، بل تصاغ بعبارات هلامية مطاطة، مليئة بالعموميات والتحفظات والهوامش الواسعة التي تتيح لكل نظام تفسيرها بما يتوافق مع درجة تبعيته لواشنطن والغرب، وبما لا يزعج بالدرجة الأولى شراكته الاستراتيجية أَو مصالحه الاقتصادية والأمنية معها. هذه المرونة المتعمدة في الصياغة ليست براعة دبلوماسية، بل هي تعبير صريح عن عجز مقنع، وإدراك مسبق أن هذه القرارات لن تترجم إلى فعل على الأرض، وأنها مُجَـرّد تصريحات للاستهلاك المحلي، لتهدئة الرأي العام الغاضب وإعطائه وهمًا بأن قادته يفعلون شيئًا ما.

وهنا تكمن المأساة؛ فالمحتلّ الصهيوني يدرك هذه اللعبة جيِّدًا، بل ويتوقعها، فهو يعلم أن الخطاب العربي والإسلامي الرسمي، مهما ارتفعت نبرته في لحظات الأزمات، لن يتحول إلى تهديد استراتيجي حقيقي.

إنه يدرك أن جبروت الآلة العسكرية الأمريكية والدعم السياسي الغربي المطلق يشكلان درعًا واقيًا له من أي رد عربي وإسلامي جمعي حاسم.

لذلك، لا ترهبه هذه القمم ولا قراراتها، بل ربما يسعده هذا المشهد المتكرّر من التشرذم والضعف؛ لأَنَّه يعرف أن العاصفة ستخمد وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد أَيَّـام، معززًا بذلك من جرأته على المضي قدمًا في جرائمه دون رادع حقيقي.

ومن جهة أُخرى، فَـإنَّ الشعب الفلسطيني، وفي قلبه أهالي غزة الأبطال، يعرف هذه اللعبة أَيْـضًا، فهم خبروا على مدى عقود وعود القمم وبياناتها الخجولة، وشاهدوا كيف تتحطم كُـلّ التعهدات على صخرة الواقع المرير وحائط التطبيع الصامت.

إنهم لا يعولون عليها؛ لأَنَّ تجربتهم المريرة علمتهم أن خلاصهم لن يأتي من قاعة مؤتمرات فاخرة، بل من صمودهم وتضحياتهم وإرادتهم التي لا تنكسر، ومن دعم المحور الجهاد والمقامة والشارع العربي والإسلامي الذي يزداد إيمانًا بعدالة قضيتهم يومًا بعد يوم.

ولذلك فَـإنَّ قمة الدوحة، لم تكن معنية بحسم المعركة، بل بإدارتها ضمن حدود لا تتجاوز المسموح به غربيًّا؛ بهَدفِ تأمين استمرارية تلك الأنظمة والحفاظ على توازناتها الهشة، حتى لو كان الثمن هو استمرار معاناة شعب بأكمله وتقويض أي أمل في حَـلّ عادل.

إنها لعبة قديمة بثياب جديدة، تستهلك طاقات الأُمَّــة وتهدر وقتها الثمين، بينما الخصم يستغل هذا التردّد لتحقيق مكاسب أكثر على الأرض، والأمر الواقع الذي يصعب تغييره يومًا بعد يوم.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى متى ستبقى الأُمَّــة رهينة هذا الفصام بين إرادَة الشعوب وتردّد الأنظمة.؟!

ومتى سيدرك هؤلاء القادة أن الأمن الحقيقي والاستقرار الدائم لا يأتيان من التبعية للغرب، بل من إرادَة مستقلة وقوة مبنية على الوحدة والعدل، وأن التاريخ لن يرحم من وقف متفرجًا أَو كان شريكًا صامتًا أمام جرائم تهز ضمير الإنسانية.

You might also like