سقوط الوصاية وبزوغ عصر القوة

سقوط الوصاية وبزوغ عصر القوة

إب نيوز 21 سبتمبر

فاطمة عبدالإله الشامي

ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ليست حدثاً عابراً يُختزل في تاريخ معين، بل هي زلزلة كبرى هزّت عروش العمالة، وكسرت قيود الوصاية، وفتحت أمام اليمنيين أبواب المجد والعزة والكرامة. إنها الثورة التي فجّرت الصمت الطويل، وانتزعت القرار من بين أنياب السفارات، وكتبت بالدم والصرخة عهداً جديداً عنوانه الحرية والسيادة والاعتماد على الله.

لقد عرف اليمن لعقود مريرة معنى الارتهان للخارج، حين كان السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي، وحين كانت السعودية تتعامل مع اليمن باعتباره ساحة نفوذ وملحقاً ذليلاً، وحين كانت قرارات الدولة مرهونة بإشارات من الخارج، فيُمرَّر ما يريدونه ويُجهض ما لا يرضون عنه. كان اليمنيون يرون ثرواتهم تُنهب أمام أعينهم، وكرامتهم تُداس بلا رحمة، وأحلامهم تُدفن في ركام الفساد والتبعية. فجاءت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر لتكسر هذا الطوق الخانق، ولتصرخ في وجه المستكبرين: هنا يمن جديد، لا يُباع ولا يُشترى.

هذه الثورة لم تُولد من فراغ، بل جاءت امتداداً لوعي شعبي تراكَم عبر سنوات طويلة من الظلم والإذلال، وتجلّى في لحظة انفجار عظيم قادهُ أنصار الله، الذين أثبتوا أنهم طليعة الأمة وضميرها الحي. لقد حملوا أرواحهم على أكفهم، ووضعوا ثقتهم بالله، وأعلنوا أن القرار لا بد أن يكون يمنياً خالصاً، وأن الكرامة لا تُستجدى من أحد، بل تُنتزع انتزاعاً مهما كان الثمن.

انصار الله كانوا جوهر هذه الثورة ونبضها الحي. لم يهادنوا الفساد، ولم يساوموا على السيادة، ولم ينحنوا أمام العواصف. انصار الله هم الذين أعادوا للشعب ثقته بنفسه، وزرعوا في وجدانه أن الحرية قدرٌ مكتوب، وأن الاستقلال ليس ترفاً سياسياً بل حقاً إيمانياً لا يمكن التنازل عنه. وبفضلهم لم تعد صنعاء أسيرة للسفير الأمريكي، ولم تعد القرارات تُطبخ في الرياض وواشنطن، بل أصبحت تصدر من إرادة حرة متوكلة على الله، تؤمن أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

إن أعظم إنجاز حققته هذه الثورة هو أنها صنعت يمن السيادة. يمن لا يقبل التدخل الأجنبي، ولا يخضع لابتزاز اقتصادي، ولا يسمح بعودة العملاء والخونة ليتحكموا بمصير شعبه. إنها الثورة التي أعادت تعريف الوطنية، لتصبح موقفاً صلباً في مواجهة الطغيان العالمي، ولتثبت أن اليمني إذا صرخ صرخ معه التاريخ، وإذا ثار غيّر موازين المنطقة بأكملها.

الواحد والعشرون من سبتمبر كان فاصلاً بين زمنين: زمن العبودية وزمن الحرية. في ذلك اليوم أعلن اليمن بوضوح أنه ليس تابعاً، ولن يكون مطية لأي قوة مهما عظمت. في ذلك اليوم ارتفعت راية أنصار الله لتُخبر العالم أن هذا الشعب اختار طريق العزة، وأنه مستعد أن يدفع روحه ثمناً لها، وأنه لن يعود إلى الوراء مهما اشتدت المؤامرات والحصار والعدوان.

لقد حاول الأعداء أن يُطفئوا نور هذه الثورة عبر الحرب الشرسة التي شنّوها منذ 2015، لكن الدماء التي سالت لم تزدها إلا ثباتاً، والحصار لم يزدها إلا صموداً، والمؤامرات لم تزدها إلا يقيناً بأن النصر حليفها. بل إن الثورة أثبتت للعالم أجمع أن اليمن لا يمكن أن يُكسر، وأنه إذا قرر النهوض فإنه ينهض بإرادة أمة لا تُقهر.

لهذا ستظل ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر تاجاً على جبين التاريخ اليمني، وستظل رمزاً خالداً لكل الأحرار، لأنها لم تُسقط نظاماً فاسداً وحسب، بل أسقطت معه كل أوهام التبعية، وأعادت صياغة هوية اليمن من جديد. إنها ثورة ستبقى، لأنها ليست مرحلة عابرة، بل مسار متجذر في وعي الأمة، وصوتٌ خالد يقول للعالم: هنا يمنٌ حر، هنا شعب لا يُباع، هنا أنصار الله الذين جعلوا من الإيمان قوة ومن الصمود سلاحاً، ومن الثورة طريقاً إلى المجد الذي لا يزول.

You might also like