نهايــة النمرود بعوضة… ونهايــة نتنياهو مسيــرة.
إب نيوز 26 سبتمبر
عدنان عبدالله الجنيد
مقدّمةٌ :
إنَّ المسيرةَ اليمنيةَ صغيرةُ الجسدِ، غير أنّ أثرَها عظيمُ الامتداد، ولقد سبقتها بعوضةٌ أدقّ منها وأخفى، أرسلها الله على النمرود فدخلت في أنفه حتى بلغت دماغه، فجعلت تَضْرِبُه بالمِرْزَبة حتى أردته صريعًا، فهوى عرشُهُ العاتي وتبدّد مُلكُهُ المتجبّر.
واليوم تتكرّرُ الحكاية بوجهٍ معاصر: بعوضةُ الأمس صارت مسيّرةَ اليوم، لتُذكِّر الطغاة أن نهايةَ الغرور تبدأ من أضعفِ الخلق.
ضربةُ إيلات: إنذارُ النكسة الأولى:
في مساء الأمس، انطلقت من سماء اليمن مسيّرةٌ لا يتجاوز وزنُها بضع عشرات الكيلوغرامات، لتشقّ مئات الكيلومترات وتبلغ قلبَ إيلات المحتل، مُحدثةً انفجارًا هزّ أركان القاعدة العسكرية والميناء التجاري معًا.
حصيلة الإصابات: التقارير الأوّلية تُشير إلى إصابة ما يزيد على 52 مستوطناً، بينهم جريحان في حالة حرجة نتيجة الشظايا، فيما تراوحت إصابات الباقين بين متوسطة وخفيفة.
فشلُ القبة الحديدية: أقرّ الجيش الإسرائيلي بفشل منظوماته الدفاعية – وعلى رأسها القبة الحديدية – في اعتراض المسيّرة، لتنكشف هشاشةُ “الدرع” الذي روّجت له آلةُ دعايتها سنواتٍ طويلة.
البُعدُ العسكري: استراتيجياتٌ تتبدّل:
الهجوم على إيلات ليس حادثةً معزولة، بل حلقةٌ في سلسلة عمليات نوعيّة يمنية تستهدف الممرّات البحرية والموانئ الحسّاسة لإسرائيل.
القراءة العسكرية لهذا التطور تكشف الآتي:
1- قدرة اختراق عالية: عبور المسيّرة مئات الكيلومترات دون اعتراض يعني تقدّمًا تكنولوجيًا في الملاحة المنخفضة والتمويه الراداري، ما يُشكّل نقلةً نوعية في أداء المقاومة.
٢- إرباك المنظومة الصهيونية: فشل القبة الحديدية يفتح باب التساؤل حول كفاءة الدفاعات في حماية العمق الإسرائيلي من هجمات أطراف محور المقاومة، من اليمن إلى لبنان وغزة.
3- تصعيدٌ متدرّج: التوقيت يتزامن مع هجمات بحرية متواصلة في البحر الأحمر، ما يُربك الملاحة العالمية ويزيد الضغط الاقتصادي على إسرائيل التي تعتمد على إيلات منفذًا وحيدًا نحو آسيا وإفريقيا.
التداعيات الاستراتيجية: ما بعد الانفجار:
اقتصادٌ يتأرجح: إيلات، الشريان البحري الجنوبي لإسرائيل، يشهد تراجعًا حادًا في نشاطه التجاري منذ بدء الهجمات اليمنية على الملاحة في البحر الأحمر، والضربة الأخيرة مرشّحة لتعميق الخسائر وإخافة شركات الشحن العالمية.
رسالة إلى الحلفاء: الهجوم يبعث إنذارًا لحلفاء إسرائيل في واشنطن ولندن بأن خطوط الملاحة الإسرائلية لم تعد آمنة، وأن أمن الكيان العبري يتآكل من أطرافٍ بعيدة لم يكن يحسب لها حسابًا.
من كسرِ الأصنام إلى كسرِ الأوهام:
كما حطّم إبراهيم عليه السلام أصنام قومه ليُسقط رمزيةَ آلهتهم الباطلة، تأتي المسيرة اليمنية اليوم لتحطّم صنم “التفوّق الإسرائيلي” وتهزّ اليقين بقدرة القبة الحديدية.
المشهد واحد:
إبراهيم واجه صنمًا من حجر.
اليمنيون يواجهون صنمًا من حديد ونار.
لكن الرسالة لا تتبدّل: الطغيان زائل، ولو بشيءٍ أضعف من جناح بعوضة.
خاتمة: قدرٌ يتكرّر وتحذيرٌ صريح
من بعوضةٍ أنهت ملكَ النمرود إلى مسيّرةٍ تُربك نتنياهو، التاريخ يُعيد نفسه بلغةٍ جديدة.
فمهما علا جبروت السلاح وتكاثر التحالف، ستبقى إرادةُ الشعوب أعتى من كلِّ قُبّةٍ حديديّة، وسيبقى الوعد الحقّ:
وإلى نتنياهو تحديدًا نقول إيّاكَ أن تغترّ بمؤتمراتك العسكرية أو بتهديدات حلفائك، فإن كل ساعةٍ تمضي تُقرّبك من لحظة الحساب.
إنَّ المسيرة التي أفلتت من قبتك الحديدية ما هي إلا بشيرٌ لما هو أعظم، وما زالت يدُ القدر تكتب على جدران تاريخك: “مَلكٌ مغرور… وزوالٌ محتوم”.
ها هي اليمن تُعلنها صريحة: الزمان تغيّر، لكن سنّة الله لا تتبدّل… والطغاةُ زائلون، ولو احتموا بكل حديد الأرض وسمائها.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص: 40].