السنوار حاضر.. والمسيرة مُستمرّة
إب نيوز ١٦ أكتوبر
فهد شاكر أبوراس
في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد المجاهد العظيم يحيى السنوار، تتعانقه بالألم والفخر، بالدمعة والابتسامة، لتخلقَ في وجدان الأُمَّــة سيرة ُرجل لم يكن مُجَـرّدَ قائد عسكري، بل كان عنوانًا للصمود الفلسطيني المتجذّر في أرض الإسراء، ومثالًا نادرًا للتضحية في سبيل الله عز وجل.
كان “سلام الله عليه” حكاية شعب بأكمله، مختزلة في إرادَة فولاذية وإيمان عميق لا يتزعزع.
لقد كان الشهيد السنوار، ومنذ أن أطل من خلف القضبان محطمًا أُسطورة السجان، مدرسة متكاملة في الجهاد والقيادة، مدرسة تخرج فيها الرجال من رحم المعاناة، وتشكلت فيها قيم الثبات على المبدأ، والثأر للكرامة، والوفاء للوطن والشهداء.
كان وعيه الاستراتيجي العالي، الذي تفوق به على أعدائه، هو سلاحه السري الذي حير محتلّيه وجعل منه أيقونة للمقاومة الذكية التي تعرف متى تضرب وكيف تتفاوض، فهو لم يكن يحمل بندقية فقط، بل كان يحمل مشروعًا تحرّريًّا كاملًا، قائمًا على فهم دقيق لموازين القوى، وإدراك عميق لطبائع الصراع، واستشراف للمستقبل برؤية ثاقبة جعلت منه قائدًا استثنائيًّا في زمن ندر فيه الاستثنائيون.
لقد جسد الشهيد السنوار بكل حرف في مسيرته قيمة من قيم الجهاد العظيمة، فكان الصبر على الأذى، والثبات في المواقف الصعبة، والتوكل على الله ثم الاعتماد على الذات، والحرص على وحدة الصف، والشفافية مع الشعب، والذكاء في التعامل مع التعقيدات، كُـلّ هذه القيم كانت دمائه تسيل؛ مِن أجلِها، وأنفاسه تترنم بها في سرائه وضرائه.
وكان مدرسة في التضحية، يقدم روحه رخيصة في سبيل الله دفاعًا عن مقدسات الأُمَّــة وكرامتها، فلم تكن التضحية لديه شعارًا ترفعه وسائل الإعلام، بل كانت منهج حياة، وسلوكًا يوميًّا، يبدأ من تفانيه في عمله، وحرصه على أمن مجاهديه، وُصُـولًا إلى استعداده الدائم لختم حياته بشهادة ترضي الله سبحانه وتعالى.
لقد علمنا السنوار أن الجهاد ليس لحظة عابرة، بل هو مسيرة متصلة الحلقات، يورثها الأجيال جيلًا بعد جيل، حتى تتحرّر الأرض والإنسان.
ولأن الشجرة الباسقة لا تنبت في أرض جدباء، فإن عطاء الشهيد السنوار العظيم لم يكن ليبلغ هذا المدى لولا أنه كان جزءًا من منظومة جهادية متكاملة، فتحية إجلال وإكبار نرفعها لكل القادة المجاهدين الذين يسيرون على الدرب نفسه، درب العزة والكرامة، أُولئك الذين يتحملون الأعباء الجسام ويقودون المعارك المصيرية بقلوب مؤمنة وعزائم لا تلين.
وتحية تقدير نوجهها لكل مواقع المسؤولية في ساحة الجهاد، من القيادات السياسية والعسكرية إلى الكوادر المتوسطة، الذين يعملون في صمت وإخلاص، يخططون وينفذون، يبنون ويقاومون، في وجه حصار ظالم وعدوان متواصل.
ولا ننسى في هذا المقام جبهات الإسناد، أُولئك الرجال والنساء والأطفال في الداخل المحاصر، وفي مخيمات الشتات، وفي كُـلّ مكان حلقت به روح السنوار في جغرافيا المحور المقاوم من غزة وصنعاء إلى طهران وبيروت وبغداد، فهم وقود المعركة وضميرها الحي، الذين يقدمون العطاء الكبير بكل ما يملكون من قوة، بدءًا من الدعم المعنوي، مُرورًا بالتعبئة المجتمعية، ووُصُـولًا إلى تقديم الشهداء والأسرى والجرحى، فهم شركاء حقيقيون في كُـلّ نصر، وهم رصيد الأُمَّــة الذي لا ينضب.
لقد رحل جسد الشهيد السنوار، ولكن روحه ظلت تنير الدرب، وسيرته أصبحت منهاجًا يدرّس، واسمه تحول إلى هتاف يملأ الساحات.
إن ذكرى الشهيد السنوار ليست مُجَـرّد وقفة حزن، بل هي محطة لتجديد العهد مع الله ثم مع الشهداء، واقتباس شعلة الجهاد المتقدة لمواصلة المسيرة.
فالسنوار لم يمت، بل هو حي يرزق عند ربه، وهو حاضر في ضمير الأُمَّــة، ينادينا: أن قضية فلسطين هي قضية الأُمَّــة كلها، وأن طريق الحرية لا يعرف التردّد أَو المساومة، وأن التضحية في سبيل الله هي أغلى ما نملك وأعز ما نقدم.
فلتكن ذكراه محفزًا للعمل الجاد، ولتكن سيرته نورًا نهتدي به في ظلمات الطريق، فهو بحق عنوان للصمود الفلسطيني، وشاهد على أن إرادَة الشعوب المؤمنة بربها وربها لا تقهر، وأن النصر آت بإذن الله، ولو بعد حين، فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًّا، ويوم تظل ذكراك نبراسًا للأحرار.