المشاريع التقسيمية لغزة.. تمزيقُ الجغرافيا وتصفيةُ القضية
إب نيوز ٢٧ أكتوبر
فهد شاكر أبوراس
تعود المشاريع الاستعمارية الرامية إلى تمزيق الجغرافيا الفلسطينية وتفتيت إرادَة شعبها إلى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة تحت شعارات مضلِّلة مثل “إعادة الإعمار” و”قوى الاستقرار”.
فمخطّطات تقسيم قطاع غزة لم تعد مُجَـرّد اجتهادات سياسية هامشية، بل باتت جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية جذريًّا، وإنهاء حالة المقاومة التي ظلّت تُربك حسابات الاحتلال والقوى الداعمة له.
تقود قوات الاحتلال هذه المخطّطات بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية، وتواطؤ صريح من أنظمة التطبيع العربية والإسلامية، في محاولةٍ يائسةٍ لتحقيق ما عجزت عنه الجيوش والغزوات على مدى عقود.
فتركيا، التي ترفع شعارات دعم فلسطين، تخفي وراء خطابها البرّاق تعاونًا اقتصاديًّا وأمنيًّا مع الكيان الصهيوني.
وتُظهر تقارير أن الأسواق الفلسطينية استُخدمت قناةً للالتفاف على الحظر التركي الشكلي على التبادل التجاري مع كَيان الاحتلال، مما يكشف التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة.
أما قطر، فتلعب دور الوسيط المريب الذي يخدم، في العمق، مصالح المشروع الصهيوني، تحت غطاء الوساطات واتّفاقيات وقف إطلاق النار التي لا تهدف في جوهرها سوى إلى نزع سلاح المقاومة.
وفي المقابل، يتسابق النظامان المصري والسعوديّ نحو التطبيع العلني مع الاحتلال، في صفقةٍ تاريخيةٍ تُعدّ خيانةً صريحةً للقضية الفلسطينية ولإرادَة شعبها.
لا تختلف هذه الأنظمة في جوهرها؛ فهي جميعًا تشارك في مؤامرة كبرى تُدار تحت مسميات مختلفة، لكن هدفها واحد: تصفية القضية الفلسطينية.
فالمخطّطات الأمريكية-الإسرائيلية تسعى إلى تقسيم قطاع غزة إلى كيانات منفصلة، تكون تحت السيطرة العسكرية المباشرة للاحتلال، بدعم من قوى دولية تعمل على تشكيل “قوة استقرار دولية مؤقتة” في غزة تحت القيادة الأمريكية.
ورغم أن هذه القوة قد تظهر بمظهر الحياد، فَــإنَّ دورها الحقيقي يتمحور حول تنفيذ الأجندة الإسرائيلية تحت غطاء دولي، من خلال تدريب قوات شرطة فلسطينية موالية، وحماية بنى تحتية تخدم إعادة ترتيب الوضع لصالح الاحتلال، لا لصالح الشعب الفلسطيني.
ويهدف هذا المشروع التقسيمي إلى خنق المقاومة عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
فقوات الاحتلال تحتفظ بمناطق واسعة تحت سيطرتها المباشرة، بينما تحرم مناطق أُخرى من أبسط مقومات الحياة، تحت ذريعة وجود المقاومة.
إنها سياسة الحصار بوجهٍ جديد، تُدار هذه المرة عبر التجزئة والتفتيت، لا عبر الجدران فقط.
وفي مواجهة هذه المشاريع والتحديات، تثبت المقاومة الفلسطينية قدرتها المُستمرّة على الصمود رغم كُـلّ محاولات الإخضاع.
فهي تعلن بوضوح أنها تنوي الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة، ولا تستطيع الالتزام بنزع السلاح – موقفٌ يشكّل ركيزةً أَسَاسيةً في إفشال أي مخطّط يهدف إلى تسليم الأمن للاحتلال.
إن صمود غزة في وجه آلة الدمار الصهيونية والأنظمة المتواطئة معها يُرسِل رسالةً واضحةً: إرادَة الشعوب أقوى من كُـلّ مشاريع التقسيم والتطبيع.
فالمقاومة، التي قدّمت آلاف الشهداء، لن تسمح بتحويل غزة إلى مقبرةٍ لمشاريع التطبيع والخيانة، وهي وحدها القادرة على حماية الحقوق الفلسطينية وفرض معادلات جديدة على الأرض.
لقد بات جليًّا أن هذه الأنظمة تتشارك مع الاحتلال هدفًا واحدًا: القضاء على المقاومة.
لكن تاريخ النضال الفلسطيني يعلّمنا درسًا لا يُنسى: المشاريع التصفوية تتحطّم دائمًا على صخرة إرادَة الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام.
المستقبل هو للمقاومة التي تعرف طريقها، وتدرك أن الحق لا يُنتزع إلا بالثبات والكفاح، وأن طريق التحرير لا يمرّ عبر عواصم التطبيع، بل عبر استمرار الكفاح حتى التحرير الكامل.
ستظل المقاومة الشعلة المتقدة التي تنير درب التحرير حتى تعود الحقوق إلى أصحابها.
وهي الدرع الذي يحمي القضية، والحصن الذي يحبط المخطّطات، والقوة الوحيدة القادرة على فرض واقعٍ جديدٍ يليق بتضحيات الشعب الفلسطيني وتاريخه النضالي الطويل.
المستقبل سيكون حتمًا للمقاومة التي ترفض المساومة على الحقوق، وتدرك أن طريق التحرير لا يمرّ عبر عواصم التطبيع ولا عبر صفقات الخيانة، بل عبر البندقية والإصرار والثبات.
لقد أثبتت المقاومة عبر مسيرتها النضالية أنها القوة الوحيدة القادرة على حماية هُوية الشعب الفلسطيني وصون كرامته، وأنها الرقم الصعب في كُـلّ المعادلات الإقليمية والدولية، والأمل الوحيد لعودة اللاجئين إلى ديارهم.
وستظل دماء الشهداء التي روّت أرض غزة شعلةً تنير الدرب للأجيال القادمة، وستبقى القضية الفلسطينية حيّةً في ضمائر الأحرار في كُـلّ مكان، حتى تتحرّر فلسطين كاملةً من النهر إلى البحر.