منطق القوة لا قوة المنطق.. يردع الاحتلال
إب نيوز ١٢ نوفمبر
فهد شاكر أبوراس
في ظل نَكْثِ الاحتلال للاتفاق باعتداءات متواصلة، لا ينفك الخطاب الرسمي اللبناني من رئاسة الجمهورية يدعو إلى “قوة المنطق” كخيارٍ وحيدٍ في مواجهة العدوِّ الإسرائيلي.. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوّة: هل يكفي المنطق وحدَه لثني محتلّ بَنَى كَيانَه على عقيدةٍ قائمةٍ على التدمير، والعقاب الجماعي، وإثارة الرعب؟
الرئيس جوزيف عون، في تصريحٍ انبطاحي، دعا إلى تغليب “الحوار والتفاوض” كسبيلٍ وحيدٍ لتحقيق “المصلحة العليا للبلاد”.
لكنه في الوقت نفسه، يعترف بأن الكَيان يستمر في احتلال نقاط داخل الأراضي اللبنانية وشن الاعتداءات المتكرّرة على سيادتها.
هنا يبرز التناقض الصارخ بين خطاب الدولة الرسمية، الواقع تحت ضغوطٍ دوليةٍ هائلة، وواقع الأرض الذي تصنعُه المقاومة.
فالعدوّ الإسرائيلي، المدعوم أمريكيًّا، لا يتعامل مع “المنطق” بل مع “موازين القوة”.
وقد أعلن قادته مرارًا -آخرهم قائد الأركان الأسبق غادي آيزنكوت- عن ما بات يُعرف بـ”عقيدة الضاحية”: استراتيجيةٌ عسكريةٌ ترتكز على استخدام القوة المفرطة، وتدمير البنى التحتية، والعقوبات الجماعية ضد المدنيين، كما حدث في بيروت عام 2006، ثم تكرّر على نطاقٍ أوسع وأكثر وحشية في قطاع غزة.
فكيف، والحال كذلك، يمكن لـ”المنطق” أن يخاطبَ عقليّةٍ ترى في الخوف وسيلةً للبقاء ويواصل بناء مستوطناته ويُهدّد بالحرب؟
في المقابل، يصرّ الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على أن ما تشهده الساحة اللبنانية ليس سوى محاولةٍ أمريكيةٍ واضحةٍ لإجبار لبنان على تقديم تنازلاتٍ مجانيةٍ لكيان الاحتلال، من دون أية ضمانات أَو التزامات مقابلة، بل مع مطالباتٍ متكرّرةٍ بنزع سلاح المقاومة.. السلاح الذي حمى لبنان من أن يصبح “غزة ثانية”.
الحقائق على الأرض تقول ما لا يقوله الخطاب الدبلوماسي: (إسرائيل) لم تنسحب من جنوب لبنان عام 2000 إلا تحت وطأة المقاومة، وليس بفعل مذكرة تفاهم أَو ضغط دبلوماسي.
واتّفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2022 لم يُنَلْ إلا لأن ثمة قوة ردعٍ حقيقية وقفت على الحدود، لم تسمح للعدو بأن يفرض أمره الواقع دون ثمن.
الرئيس عون يعترف بأن الجيش اللبناني يُناط به “مهمة مصيرية في بسط السيطرة على كامل التراب الوطني”، لكن تلك المهمة، في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية، تبقى ناقصةً ما لم تُكملها قوة الردع التي تمتلكها المقاومة، ليس كخيارٍ أيديولوجي، بل كضرورةٍ واقعيةٍ أمام عدوٍّ لا يعترف بالحدود ولا يُحترم إلا حين يُهزم.
منطق القوة الذي تنتهجه المقاومة ليس منطق عدوانٍ أَو استفزاز، بل منطق دفاعٍ مشروع في مواجهة احتلال استيطاني توسعّي.
وهو في جوهره، في هذه المرحلة بالذات، “قوة المنطق” الوحيدة التي يفهمها المحتلّ.
التاريخ لا يكذب: حين تكلّم المنطق وحده، سمعه المحتلّ كصدى في الفراغ، وحين تكلّمت المقاومة، انسحب.
لذلك، قد يكون الوقت قد حان لفهمٍ أعمق للمعادلة: في زمن الاحتلال، لا يكون المنطق قويًّا إلا حين يُحمَل بيدٍ قادرةٍ على حمايته.