للصبر حكاية وللجهاد والاستشهاد هناك عطر رواية .

.

 

إب نيوز ١٥ يونيو

بشائر المطري

لا يختلف إثنان على أن ثمن الحرية والكرامة باهض جداً سنتجرع الأوجاع والألآم، سندمع للفقد وللاشتياق، لكن في نهاية المطاف سنربح السباق ضد حياة الضلال سنسعى لنشر العدل والمحبة ستزهر طريق الأمل بدل أشواكها ورداً وسينتشر أريج الحرية في الأفق وسيتحول ألم القلب بهجة مفعمة بالكرامة….
من بساتين العظماء تظهر حكاية جديدة تتدفق من أروقتها مشاعر متوهجة تأخذنا في طياتها

زوجة الشهيد /محمد عامر
احتضن طفلَهُّ وأخذ يقبله ، ويشتمه وكأنها للمرة الأخيرة التي سيراهُ فيها من هنا بدأت الحكاية

كانت زوجته تراقبهُ بصمت..! فبدأت حديثها ببضع كلمات : ماذا يجري هُنا !؟ إلى أين أنت ذاهب؟ لما تُقبل ابنكْ وكأنها آخر مرة سوف تراه؟
فأجابها : أُود تقبيله ، هلا تركتيني أعانقه..؟ قلت له: الذي سيراك سيظن أنها  المرة الأخيرة التي سوف تراه فيها ، وأنك لن تعود أبداً.

قالت: بشرود طفيف وكأن الأحداث التي مضت تمر أمامها نظر إليّ ، والابتسامة باديةٌ عليه ولم  يتكلم ، أخذ سلاحهُ وبعض أغراضه ، عند خروجنا كان سيأخذني إلى منزل والدي  القريب من منزلنا أي منزل زوجي

حين خروجنا  صادفتنا جارتنا وهي امرأة ثكلى، كانت بجانب منزلنا ، وكانت تراقب  المشهد فنادتهُ قائلة: إلى أين أنت ذاهبٌ يامحمد !؟.
فالتفت إليها وقال: مع الله سأمضي. فضحكت العجوز، وقالت: وهل ستذهب إلى الجبهة وأنت وزوجتك تضحكان ؟ لو كنت ذاهباً إلى الجبهة ، لكانت زوجتك تبكي الآن ونلحظ دموعها.
فما كان من محمدٍ إلا أن ضحك من حديثها
كان ذاك الحوار هو الأخير الذي دار بينه وبين العجوز ، أكمل طريقه ورحل.

لكن سرعان مابادرته بالحديث فقلت: لم تصارحها بعملك ، وأنت سوف تذهب وتعود سريعاً ؛ لأن عملك قريب وليس بعيد عنا بِكثير.

التزم الصمت، حين سمع  زوجتهُ تتكلم عن عمله ، في تلك اللحظة لم يكن ينوي أن يذهب لِعملٍ قريب ، بل إلى جبهة مشتعلة نفسها طويل ، وأوقاتها ليس لها بداية ولا نهاية ،
من ثم غادر المكان إلى المكان المقدس ، وكانت آخر رسالة منه : حافظي على نفسكِ وعلى ابننا وأوصلي سلامي لأمي وأبي.

حينها شعرتُ بالقلق إثر تلك الرسالة، بعدها أغلق هاتفه وبدأت قصة استشهاد ليث من ليوث الجبهات (محمد).

لانعلم مالذي ينتظرنا أو ماهو القادم إلينا جل مانعلمه وندركه أن الله معنا ويرأف بقلوبنا…

صمتت قليلاً لتكمل مابدأت الحديث عنه قبل استشهاده أتاني في المنام يُخبرني بأنه قد استشهد ، وفي اليوم التالي سمعنا خبر استشهاد أصدقائه،ّ أما عن زوجي فقد فقدوا جثته، كان البعض يعتقد أنهُ أسيراً ، لكن كان لديّ أمل كبير أن يكون محمدٌ على قيد الحياة ،وبعد مرور ١٥ يوماً تقريباً من فقدان جثته ،أعلنوا بأنه استشهد ، في ذلك اليوم أتى ابن عم زوجي ، وبناته إلى منزل زوجي ، وبدأنّ بالقول لي وبدون مقدمات أن زوجكِ التحق بركب الشهداء ، لم أُصدق أنهَ استشهد كنتُ أُبادرهم بالحديث بأنه قال لي: لن يتركني وحيدةً، ولن يتخلى عني أبداً ، ولكن هُناك من أخذتهُ مني وليس في يدي أن أمنعها إنها “..الشهادة..” عشق كل مجاهد حر باع نفسه من خالقه فحظي بوعد الله واصطفاءه وحظيت هي بهِ وليس أنا ، لايسعني قول أي شي سوى هنيئاً له.

في تلك اللحظة اجتمع حُزن العالم كله في قلبي.

ً  بعد تلك الصدمة ذهبتُ لأراه طلبت منهم أن يخرجوه من ثلاجة المستشفى ليظل عندي تلك الليلة فقط ، مع أنني لم أكن في الواقع مصدقةٌ منهم الخبر ، كنتُ منتظرةً لجسدهِ في  باب المنزل ، إلى حين أن يخرجوا جثته ، في واقعي يساورني شعور أنني في حلم، وسأستيقظ منه، وأغرقَ تفكيري بما سيحصل لي مع طفلي  بمفردنا ! لكن ثقتي بالله كبيرة.

بعدها أتت عمتي وقالت لي: بأنهُ لابد أن أُصلي ركعتين حمداً وشكراً لله لأن الله أصطفاهُ شهيداً ، لم أرفض فصليت، وشعرت بأن الله عصم قلبي بالصبر ، قاومت وصبرت لله ، لأعزز الصبر الذي تعلمتهُ لأم زوجي ؛ فطيلة الوقت كنتُ أقول لها علينا أن نحمد الله دائماً ونشكرهُ  لأنهُ أرتقى شهيداً..

لطالما كان يكسوني البرد والشرود، لم أرد إظهار حزني حزني لأحد ، حتى أن البعض حين رآني لم يتردد في القول عني بأني لا أمتلك أدنى إحساس مع أن قلبي كان يحترق حرقاً شديداً ، ومعه ألماً كبير ، كنت لا أجعل أحداً يرى حزني وحرقتي ، وقهري وتلك المشاعر التي كانت تقطعني ألماً ، احتسبت بها لله ، من أجل أن يعظم ويكتب الله أجري ، ومن أجل  أم زوجي فكنتُ أرتدي لباس القوة على رغم ثقله ، وأتجمد رغم ليونتي أمامها ، وهي لا تختلف عني فكانت في الصبر والاحتساب ، قدوة فكلاً منا تهتم بالأخرى رغم الوجع الدفين في صدورنا ، والذي حطم قلوبنا ، وبرغم أنني كنت عندما لا أستطيع الصمود أكثر أفر سريعاً إلى غرفتي وأغلقها على نفسي ، وتنسكب  دموعي حين أرى صور زوجي ، وتُنهك روحي ، ويشرد عقلي بمجرد التفكير ، وبعدها أخرج منها وكأن شيئاً لم يكن، أحاول اظهار القوة من صميم ضعفي ، كان موقفاً مؤلماً بكل ما تعنيهِ الكلمة ، لدرجة أني حين أفكر الآن لا زلتُ لا أستطيع أن أصدق بأنهُ قد رحل ، ولكنني أسأل الله بأن يكتب أجريّ وأجره ، وأن يجمعنا في الجنة إن شاء الله.

ومن عمق الاشتياق وذروة الألم والعذاب تقف شامخة لتقول لشهيدها وعزيزها الراحل
سأمضي على دربك ، لن أتخلى أو أحيد عن نهجك الذي اتبعته ، سأقوم بتربية طفلنا تربيةً جهادية فوالله إنه لشيء ثمين ، أن قد وهبني الله منك كنزاً عظيماً وتركتهُ أنت لي ، سأعلمه حب الجهاد ، والعيش بكرامة ومواصلة مشوارك العظيم ، من أرض الإيمان الى بيت المقدس حتى يأذن لنا المولى باللقاء .

#فريق_عشاق_الشهادة
#اتحاد_كاتبات_اليمن

You might also like