من كتب الطب إلى سورة الأنفال… قصة شهيد جمع بين بلسم الجسد وبلسم الروح
إب نيوز ٨ مايو
بقلم/ فهد شاكر أبوراس
في زمن الذل والهوان، زمن تباع فيه الأوطان بصفقات التطبيع، وتنتهك فيه الحرمات على مرأى ومسمع العالم، بزغ نجم من وسط ظلام العتمة، أنار لنا الطريق، وكسر حاجز التخاذل والقعود، طالب كلية الطب الذي ما لبثت كتب الطب في يديه حتى هزته آيات القرآن الكريم، فانطلق في سبيل الله حاملاً مشروع السماء بين ضلوعه، ملتحقاً بركب المجاهدين، الذين جعلوا من كلمة الله عزاً لمن بعدهم، وكتبوا بدمائهم بيان صحوة الأمة من سباتها.
قرأ في كتب تشريح الأجساد درساً، ولكنه قرأَ في سورة الأنفال دروساً أعظم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}. فحمل القوة في قلبه قبل حقائبه، واختار أن تكون ساحات الجهاد مختبره الأكبر.
لم يكن الشهيد عقبة مجرد طبيب جراحات فحسب، بل كان طبيب أرواح نادرة، يعيد للجرحى إيمانهم المفقود بين أنقاض القصف، ويخيط جراح الأمة بإبرة القرآن الكريم، وخيط العزة.
في ظل راية أعلام الهدى مضى الشهيد حاملاً المشروع القرآني، ليتحول بذلك من طالب يدرسُ الموت في الكتب إلى مجاهد يُحيي الأوراح في ساحات الموت.
كان يرى في كل جريح آية تذكره بقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}. فكان يمسح دماء الضحايا بيديه، ويقرأ القرآن بقلبه ووجدانه، وكأنه يعيد تشكيل المعادلة: أن الألم ليس نهاية، بل اختبار للصعود إلى عليين.
فحين تدخل المجاهدين من أبناء اليمن وبرزوا في ساحة المواجهة مع أمريكا إسناداً لغزة وفلسطين، كانت قبضتهم من نار وقلوبهم من نور، وعقبة الشهيد كان منهم: فارس بلا حصان، يركض بين الخيام الميدانية كالسيل الجارف، صارخاً في وجه الموت: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}. وحول تلك الخيام إلى منابر تُنادى منها كلمة الحق.
كان يمسك بيد الجريح وكأنه يمسك بورقة التمرد الأخيرة على ظلم هذا العالم، حتى قضى شهيداً محتسباً بفعل غارة أمريكية صهيونية آثمة طالت مجمعاً طبياً لإسعاف الجرحى والمصابين في مدينة الحديدة، لم يسقط الشهيد حينها كباقي الشهداء، بل أنه ارتفع كشهاب قطع ظلام العمالة والخيانة، معلناً للعالم أجمع أن دماء حملة المشروع القرآني هي وقود الصحوة التي ستحرق عروش الطغاة.
لقد سقط جسده وسط الكثبان، اختلطت أشلاءه بأشلاء جرحاه والمسعفين، ولكن روحه ارتفعت تنادي: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، لتعلن القوات المسلحة اليمنية اسمه في سجل الخالدين، وتنعاه كـ”طبيب القرآن الذي لم يخضع لغير الوحي.
لقد عاد الشهيد إلى مسقط رأسه بطلا قديساً يحمل على أكتاف المجاهدين، وتحيط به هتافات “الله أكبر” من كل حدب، لقد بكاه الأهل والأصدقاء وكل الأهالي في قريته ليس لأنهم فقدوا ابنهم، بل لأن السماء انتزعته من بينهم كنجماً إنما سقط ليضيء لهم درب الجهاد والإستشهاد.
اليوم، صار الشهيد عقبة وائل أبوراس قصيدة تتلى في محاريب الجهاد، وشاهداً على أن المشروع القرآني لا يحمله إلا أولو العزم، الذين يرون في الموت في سبيل الله حياة أبدية.
فسلام الله عليه يوم ولد مجاهداً، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً في جنة تتناغم فيها آيات القرآن الكريم مع أنفاس الشهداء.