من صنعاء إلى غزة: إستراتيجية “الضربات الذكية” وتفكيك التحالفات المعادية:
إب نيوز ٢٧ مايو
فهد شاكر أبوراس
لقد برز اليمن كفاعل استراتيجي استثنائي في مواجهة العدوان الصهيوني المجرم على قطاع غزة، حيث جعل اليمن من موقعه الجيوستراتيجي المطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الشريان الحيوي للتجارة العالمية سلاح فعال أعاد من خلاله تشكيل ديناميكيات الصراع.
لم تكن الإستراتيجية اليمنية مجرد رد عسكري تقليدي على جرائم الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل كان مزيجا مبتكرا من الحروب الهجينة، والضربات الإقتصادية المدروسة والدبلوماسية الواعية، حولت الصراع من مواجهة محلية إلى حرب استنزاف إقليمية أربكت حسابات القوى الكبرى.
المعادلة بدأت بالحصار البحري للكيان الصهيوني، واستهداف السفن المرتبطة به في البحرين الأحمر والعربي بصواريخ باليستية، وفرط صوتية، ومجنحة، وطائرات مسيرة يمنية الصنع، أدت إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية للكيان، وفرضت عليه تكاليف إضافية اقتصادية باهظة.
لم تكن تلك الضربات مجرد عمليات عسكرية عابرة، بل كانت أدوات ضغط لتحقيق أهداف إنسانية، حيث ربط اليمن توقف الهجمات، بفتح المعابر الإنسانية لقطاع غزة، وحول الصراع إلى قضية عالمية تدفع المجتمع الدولي لتحمل تبعات صمته.
ومع تصاعد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، توسع الحصار اليمني ليشمل الجانب الجوي عبر استهداف المطارات الحيوية التابعة للكيان، مما أجبر الكيان على مواجهة اختبار صعب لكفاءة منظوماته الدفاعية المتطورة.
لم تقتصر الضربات اليمنية على تعطيل البنية التحتية العسكرية للكيان، بل امتدت لتهديد قطاعات اقتصادية حيوية كالسياحة والنقل الجوي، مما كشف هشاشة النموذج الأمني الإسرائيلي القائم على التفوق التكنولوجي دون حساب لثمن الاستنزاف المتراكم.
وعلى الجبهة الدبلوماسية، تمكن اليمن من تفكيك الروابط الهشة للتحالفات الأمريكية الصهيونية الغربية، حيث كشفت الأزمة الأمريكية الإسرائيلية عقب إعلان إتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن عن انقسامات حول دعم واشنطن للعمليات العسكرية لتل أبيب في قطاع غزة، في حين حاولت دول عظمى ونافذة تقديم مبادرات لاحتواء التصعيد اليمني، ولكن اليمن ظل يربط أي حل بضمانات ملموسة لوقف العدوان على غزة.
لقد واجهت الاستراتيجية اليمنية تحديات جسيمة وقدم اليمن التضحيات وتحمل التبعات لموقفه الديني والإنساني في إسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بدءا من الضربات المضادة وحتى الحملات الإعلامية التي حاولت تصوير الحصار اليمني على الكيان المحتل كعمل “عشوائي متهور”، ولكن النتائج بفضل الله وتأييده أثبتت عكس ذلك: فتحويل الصراع إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات تمكن من كسر الحصار الغير مباشر على غزة، وكشف زيف الادعاءات الصهيونية بالحصانة الأمنية، ورفع سقف المطالب الدولية بوقف العدوان على غزة. كما أن اليمن نجح في تحويل نضاله من قضية محلية داخلية إلى رمز للصمود العربي والإقليمي، وأعاد إحياء فكرة المقاومة الشاملة التي تربط بين العسكرة والإقتصاد والدبلوماسية.
اليوم، يرسل اليمن رسالة للرأي العام العالمي: بأن الحصار البحري والجوي المفروض يمنياً على الكيان المحتل ليس فقط مجرد عمل عسكري، بل هو في الحقيقة إعادة فعلية لتعريف بأساليب المواجهة الجديدة في القرن الواحد والعشرين، بحيث أصبحت الجغرافيا سلاح، والإرادة درع، والعبقرية التكتيكية قوة مضادة للإحتلال.
وأما للكيان الصهيوني، فالدرس واضح: فكلما تعمقت أزماته الداخلية، وارتفعت تكلفة عدوانه، اقترب يوم انكشاف زيف مشروعه الاستعماري وزواله.
لقد أثبت النموذج اليمني فعلاً أن المعارك الكبرى لا تحسم بالعتاد وحده، بل بفن تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة، والهزيمة إلى فرصة، والحدود الجغرافية إلى ساحات للمواجهة.
وتلك عبقرية شعب رأى في تحدياته ذراعا للعدالة، وفي صرخته سلاحا يهز عروش الطغاة.