كربلاء والمقاومة في زمننا: درس في الوفاء للمبادئ والحق.
إب نيوز 2 يوليو
بقلم الشيخ عبدالواحد المروعي .
كربلاء ستبقى الميزان، وغزة هي الامتحان. هذا هو التاريخ الذي لا ينطفئ، وهذه هي الحقيقة التي لا تزول. في العاشر من محرم، يحيي المسلمون في جميع أنحاء العالم ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، تلك المأساة التي كانت صرخة في وجه الظلم والطغيان. صرخة لا تزال تتردد في قلوب الأحرار في كل زمان، وتلهم ثورات الشعوب ضد الأنظمة الفاسدة والطغاة الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.
كان الحسين عليه السلام يدرك منذ البداية أن رفض الظلم لا يعني مجرد موقف سياسي عابر، بل هو قضية وجودية تُجسد المبادئ العليا للعدالة والكرامة الإنسانية. لم يكن هدفه مجرد التصدي لحكم يزيد بن معاوية، بل كان يسعى لإنقاذ الأمة من الانحراف عن مسارها، ولم يكن يقبل بأن يُستمر في ظلم المسلمين وتخليهم عن قيم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. تلك كانت المعركة الحقيقية التي فرضتها كربلاء على العالم.
واليوم، نعيش مشهداً متجدداً من كربلاء، بل من أعمق جراحها، في غزة. كما كانت كربلاء يومًا معركة بين الحق والباطل، فإن غزة اليوم تمثل ذات المعركة، وإن كان الزمان قد اختلف والمكان قد تغير. في غزة، تُستباح الأرض، ويُقتل الأطفال، وتُستهدف المدارس والمساجد والمستشفيات، بينما العالم يلتزم الصمت أو يُساهم في هذه الجريمة بتقديم الدعم للطغاة. كما كان الحسين محاصرًا في كربلاء، يحرم من الماء والطعام، فإن أهل غزة اليوم يعيشون ذات المعاناة، محاصرين من كل جانب، يعانون من نقص شديد في الحاجات الأساسية بينما تتواصل آلة القتل الصهيونية بلا رحمة.
إن الصمت الذي يعمّ العالم العربي والإسلامي اليوم، والتخاذل الذي تتبناه بعض الأنظمة العربية، هو خيانة واضحة لدماء الحسين وشهداء كربلاء. خيانة لأمانة رسالته التي لا تُقدّر بثمن، وموقفه الثابت في مواجهة الظلم. كيف يمكن للذين صمتوا عن كربلاء أن يقفوا اليوم في صف الأحرار؟ كيف يمكن لأولئك الذين خانوا الإمام علي عليه السلام حينما باعوا عرشه، وأهدروا دم الحسين على يد يزيد، أن يقفوا موقفاً مبدئياً اليوم في وجه العدوان الصهيوني على فلسطين؟
إن صمت الأنظمة العربية اليوم، واستمرارها في تمويل الحروب ضد المقاومة في المنطقة، لا يمكن أن يُغطي حقيقة واحدة: أن فلسطين هي قضية الأمة، وأن المعركة ليست معركة جغرافيا أو هوية، بل هي معركة بين الحق والباطل، بين من يسعى لتحرير الأرض والإنسان وبين من يراهن على القهر والاحتلال.
لكن في هذا الظلام، يبقى نور الأمل مشعاً، كما كان في كربلاء. ومن خلال جراح غزة اليوم، ينبثق فجر جديد للمقاومة، كما كانت روح الحسين عليه السلام تشتعل في قلوب الأحرار في كل زمان. في هذه اللحظة، يتجدد صوت الحسين في قلوب رجال الله في اليمن، تحت قيادة السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله. هو اليوم الصوت الحي لكربلاء، وهو الذي يجدد العهد مع دم الحسين ويصرخ في وجه الطغاة. هو الذي يقف مع فلسطين، ومع كل مظلوم، معلنًا أن العدوان مرفوض وأن المقاومة هي الخيار الوحيد.
إن الضربة الصاروخية التي استهدفت مطار اللد، والطيران المسير الذي يضرب مواقع العدو، ليست مجرد رسالة عسكرية، بل هي تجسيد حقيقي للموقف الثابت، للروح المقاوِمة التي لا تهادن في الحق. هي امتداد للثورة الحسينية، لرفض الظلم والاستبداد، وإصرار على أن الحق لا يموت مهما كانت التحديات.
في كربلاء، سقط الحسين شهيدًا، ولكن دماءه كانت الشرارة التي أشعلت ثورات الأحرار في كل مكان. وفي غزة، تُسفك الدماء الطاهرة، ولكنها ستكون الشرارة التي ستنقض على الظلم، وستسقط الطغاة كما سقط يزيد. نعم، غزة اليوم تُخذل كما خُذل الحسين، ولكنها ستنتصر كما انتصر دم الحسين على السيف.
أيها الأحرار، لا تجعلوا الصمت خيانة، ولا تسمحوا للمواقف السلبية بأن تكون طوق نجاة للطغاة. غزة اليوم هي الامتحان، ونحن في هذا الامتحان، وسنظل نقاوم من أجل الحق، من أجل فلسطين، ومن أجل أن نبقى على عهدنا مع الحسين عليه السلام. فلنقف جميعًا مع المقاومة، لنكن جميعًا مع الحق.