فلسطين: جذور تضرب في التاريخ.. لا قرارات تستجدي الشرعية.
إب نيوز ٢٦ يوليو
فهد شاكر أبوراس
إن مجرد الحديث العربي عن حاجة فلسطين إلى اعتراف غربي أو اعتراف عالمي يعد في حقيقة الأمر انزلاق خطير نحو تبني منطق المستعمر ومفرداته المشوهة للحقيقة الثابتة.
حقيقة أن الدولة الفلسطينية ليست كياناً ناشئاً يبحث له عن شرعية منحوتة بقرارات دبلوماسية في عواصم غربية لطالما كانت ولا تزال شريكة في جريمة اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها.
ففلسطين عربية قائمة بذاتها منذ فجر التاريخ، من قبل أن تولد فرنسا، وتتشكل الممالك الأوروبية الإستعمارية، ووجودها متجذر في الجغرافيا والذاكرة والثقافة والحضارة، لا في نصوص قرارات الأمم المتحدة أو تصريحات وزارات الخارجية.
إن أرض فلسطين أرض عربية ونسيجها الاجتماعي والثقافي ظل عربياً عبر آلاف السنين وسيظل كذلك حتى قيام الساعة، وقيام الدولة الفلسطينية دولة ذات سيادة على كامل ترابها الوطني هو حق طبيعي غير قابل للتصرف، ونابع من شرعية الوجود المتواصل لشعبها العربي الفلسطيني، وليس هبة تمنحها قوى غربية كانت ولا تزال محرك أساسي لمأساة الشعب الفلسطيني من وعد بلفور المشؤوم، إلى التغطية السياسية والعسكرية للاغتصاب الصهيوني.
إن الاعتراف الغربي، مهما تعددت أصواته أو تأخر زمنه، لن يمنح فلسطين شرعية لم تفتقدها أصلاً، وهو في أحسن أحواله محاولة متأخرة لغسل دماء الماضي العالقة بأيدي تلك الدول، وفي أسوأ حالته استمرار اللعبة الاستعمارية بشكلها الجديد بهدف تقييد الحق الفلسطيني ضمن حدود يحددها الغرب و”الكيان الصهيوني” وليس الحق التاريخي.
إن اعتراف فرنسا وغيرها من الدول الغربية ودول العالم بدولة فلسطين إلى جانب إسرائيل لا يعد انتصارا للقضية الفلسطينية، وعتباره انتصارا من قِبل بعض العرب والمسلمين يعني اعترافاً ضمنياً، وبشكل لا لبس فيه، بدولة الكيان الصهيوني، وقبول غير معلن بإطار الصراع كما صاغته الصهيونية العالمية وباركته القوى الاستعمارية: المتمثل بوجود “دولتين” على أرض فلسطين التاريخية.
إن الحقيقة المطلقة والمتجذرة التي يجب أن تعلن من فوق كل منبر، هي “لا توجد دولة اسمها إسرائيل حتى يقبل العرب فكرة الاعتراف الغربي بدولة فلسطين مقابل اعترافهم بما تسمى بدولة “إسرائيل” الكيان الاستعماري الغاصب العنصري، والذي أقامته الحركة الصهيونية على أنقاض شعب طرد من أرضه بقوة الإرهاب والقتل والتهجير الممنهج بدعم وتواطؤ مباشرين من بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى كثيرة.
لذلك فإن التصريحات الفرنسية بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين، ليست خطوة بريئة أو انقلاباً على المواقف الغربية، أو خروجا عن الإجماع الغربي الداعم للصهيونية، بل خطوة مدروسة بعناية فائقة في إطار اللعبة الأمريكية الصهيونية الأوسع، وحلقة في سلسلة طويلة من المناورات الهادفة إلى “تأطير” الدول العربية في زنزانة “حل الدولتين”.
إن الموقف الاستراتيجي العربي الثابت يجب أن يرفض فخ الاعتراف الغربي بوصفه منة غربية على الدول العربية أو انتصاراً للقضية الفلسطينية فالشرعية الفلسطينية لا تستمد من اعتراف شارل أو إيمانويل أو جو، بل تستمد من دماء شهدائها المتواصل والمستمر على مدى عقود، ومن صمود شعبها في الداخل وفي الشتات، ومن التمسك بالرواية التاريخية والحق الثابت.
فالانتصار الحقيقي للقضية الفلسطينية يكمن في نزع شرعية الكيان المغتصب من المحافل الدولية، وكشف طبيعته العنصرية الاستعمارية، ومقاضاة قادته كمجرمي حرب، ومقاطعته اقتصادياً ودبلوماسياً وسياسياً، والعمل على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه بكل الوسائل، ذلك هو الإنتصار الحقيقي للقضية الفلسطينية، أما الاعترافات الغربية المحدودة لن توقف البلدوزرات الصهيونية عن هدم البيوت، ولن تعيد اللاجئين، ولن تحرر القدس، ولن تقضي على نظام الأبارتهايد.
وفلسطين بثباتها التاريخي وصمود شعبها ستظل أكبر من أن تحتاج إلى شهادة ميلاد من مستعمر، ووجودها يمثل تحدي حقيقي للصهيونية، ورفضها الإختفاء انتصار دائم لها، وكل اعتراف غربي لا يرافقه إنهاء كامل للدعم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني الغاصب، وضغط حقيقي لإنهاء احتلاله، وإجباره على احترام القانون الدولي، ليس سوى نفاق سياسي ودعاية تهدف إلى تلميع صورة الغرب وتثبيت واقع المغتصب تحت مسمى جديد.