الشيخ نعم قاسم.. الخطاب المفصلي
إب نيوز 2 ربيع الأول
فهد شاكر أبوراس
إن ما أكد عليه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير ليس مجرد كلمات تقال في مناسبات عامة، بل هو تجسيد لواقع مرير يعيشه اللبنانيون منذ عقود، حيث أصبحت أراضيهم ساحة للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة التي لا تتوقف عند حد، بدءًا من الاعتداءات على المزارعين والصيادين، مرورًا بالاختراقات الجوية اليومية، ووصولًا إلى التهديدات المباشرة بالإحتلال.
فالقضية ليست مجرد خلاف على ترسيم الحدود أو نقاط متنازع عليها، بل هي قضية وجود مرتبطة بحق لبنان في أن يكون دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على كامل ترابها، دون أي وصاية أو تدخل خارجي. وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال مقاربة شاملة تعيد الإعتبار لدور المقاومة كضامن حقيقي لهذه السيادة، وكحائط صلب أمام أي محاولة للابتزاز والإخضاع.
وفي هذا الإطار فإن الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة تعني عمليًا تسليم لبنان لقمة سائغة للعدو الإسرائيلي الذي لم يخف يوماً أحقيته التوسعية في المنطقة.
والتاريخ أثبت أن الدولة اللبنانية، بكامل مؤسساتها الرسمية، لم تتمكن وحدها من حماية الحدود أو ردع العدوان، بل إن المقاومة كانت وما زالت هي الدرع الأقوى الذي يحمي لبنان ويحفظ كرامته، ولهذا فإن أي حديث عن سيادة منقوصة، أو محاولة لربط استعادة السيادة بنزع سلاح المقاومة، هو حديث يخدم في النهاية الأجندة الإسرائيلية الأمريكية وليس المصلحة الوطنية اللبنانية.
واستعادة السيادة لا تعني فقط انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، بل تعني أيضًا بناء دولة قادرة على اتخاذ قرارها الوطني بعيداً عن الضغوط الخارجية، دولة تكون فيها المؤسسات العسكرية والأمنية قادرة على حماية حدودها وشعبها، وكل ذلك لا يتناقض أبداً مع وجود مقاومة قوية تكون سنداً لهذه المؤسسات في مواجهة أي تهديد وجودي.
ومن هنا، فإن الخطة الشاملة التي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ترتكز على عدة ركائز أساسية:
أولاً: تعزيز الجبهة الداخلية من خلال وحدة وطنية حقيقية تجمع كل اللبنانيين على هدف واحد هو تحرير الأرض واستعادة السيادة.
ثانيًا: بناء استراتيجية إعلامية قوية تواجه الحملات التشويهية التي تستهدف المقاومة وتصورها وكأنها حالة شاذة أو غير قانونية، بينما هي في الحقيقة تجسيد للإرادة الوطنية والشرعية في الدفاع عن النفس.
ثالثًا: تعزيز القدرات العسكرية والتعبوية للمقاومة بما يمكنها من مواجهة أي عدوان محتمل، مع التأكيد على أن هذا التعزيز لا يتم بطريقة عشوائية، بل في إطار رؤية استراتيجية واضحة تخدم الهدف الأسمى وهو الدفاع عن لبنان.
وعلى الحكومة أن تعي أن السيادة اللبنانية ليست شعاراً ترفعه في الخطابات الدولية، بل هي التزام عملي يتطلب منها شجاعة في اتخاذ القرار، وإرادة في المواجهة.
لذا فإن الحكومة اليوم مطالبة بخطوات ملموسة، كالمطالبة الدولية الجادة بوقف العدوان الإسرائيلي، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، والدعوة إلى تفعيل القرارات الدولية التي تدين الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وكل ذلك لن يكون ذا معنى إذا لم يكن مدعوماً بقوة رادعة على الأرض، قوة تفرض على العدو احترام حدود لبنان وعدم تجاوزها.
والمقاومة اللبنانية، بقيادة حزب الله، لم تكن يوماً حالة طارئة أو غير قانونية، بل هي ثمرة نضال شعب يرفض الخنوع والاستسلام، ويسعى إلى الحرية والكرامة، تمثل ركيزة أساسية من ركائز الأمن الوطني اللبناني، ولا يمكن لأي حديث عن السيادة بأن يكتمل دون الاعتراف بهذا الدور وبضرورة استمراره حتى تحقيق التحرير الكامل واستعادة الحقوق.
إن الدعوة التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم هي في حقيقتها تعد إنذار للجميع بأن اللحظة حاسمة، وأن التقاعس أو التردد في اتخاذ القرارات الصعبة قد يكلف لبنان المزيد من التدهور والانهيار.
واستعادة السيادة ليست خياراً، بل هي ضرورة قصوى للخروج من هذا النفق المظلم الذي دفع إليه العدو الإسرائيلي اللبنانيين في ظل مشروعه التقسيمي في المنطقة.
وعليه، فإن الوحدة الوطنية والدعم الجماعي للمقاومة هما الطريق الوحيد لتحقيق النصر والحرية، ولبناء لبنان الجديد، القوي والسيادي والمستقل.