بعد الغارات الصهيونية على صنعاء.. القيادة اليمنية: العدوان الغاشم لن يمر دون عقاب
إب نيوز ١٨ ربيع الأول
فهد شاكر أبوراس
حيث لا يزال نداء الحق والحرية يتردد في أرواح اليمنيين، تحولت سماء العاصمة اليمنية صنعاء ومدينة الحزم مركز محافظة الجوف إلى ساحة لقاء حاسمة بين إرادة شعب تأبى الانكسار وآلة حرب عدوانية تسعى لتحقيق إنجاز وهمي بعد سلسلة متواصلة من الإخفاقات.
الاستجابة اليمنية كانت استثنائية بكل المقاييس العسكرية، حيث شكلت بطاريات الدفاع الجوي خط الدفاع الأول والأخير عن حرمة السماء والتراب، لتمثل بذلك نموذجًا متقدمًا في حرب غير متكافئة تثبت فيها أن التفوق التقني لا يعني شيئًا أمام التفوق الإرادي.
لقد نجحت الدفاعات الجوية ف قوات مسلحة اليمنية والتي تشكلت في خضم أشرس حصار عرفه العصر الحديث، في رصد الأهداف المعادية منذ لحظاتها الأولى، ليس فقط عبر التقنيات المتوفرة، بل أيضًا عبر حرفية عالية في قراءة البيانات وتوقع المسارات، مما أجبر التشكيلات الهجومية المعادية على الدخول في حسابات معقدة لم تكن متوقعة في مخططاتها، وانتهى الأمر بانسحاب فوضوي لتلك التشكيلات بعد أن أحبطت الصواريخ الأرض جو المتطورة معظم الغارات، وحيدت أسرابًا كاملة كانت تتجه نحو محافظات يمنية أخرى، وهو ما يشير تحليليًا إلى تطور ملحوظ في الأداء التكتيكي والاستراتيجي للدفاعات الجوية اليمنية، وقدرتها على تعطيل أكبر جزء من العدوان، مما يحمل دلالات عميقة على تغير موازين الردع في المنطقة.
ولكن الطبيعة الوحشية للعدوان الصهيون لم تترك مجالًا للشك في الأهداف الحقيقية خلف هذه الغارات، والتي اتجهت بشكل صارخ وممنهج نحو استهداف المواقع المدنية والبنى التحتية غير العسكرية، في إستراتيجية واضحة لترويع المدنيين وإسقاط معنوياتهم، فاستهداف المجمع الحكومي في الجوف، والذي يعد مركزًا لإدارة الخدمات العامة للمواطنين، ومقر التوجيه المعنوي في حي التحرير بصنعاء، والذي يمثل رمزًا للصمود الثقافي، ومحطة طبية حيوية في شارع الستين، وهو موقع لا يحتمل أي تأويل عسكري، كلها أدلة دامغة على أن هذه الغارات كانت تهدف إلى إلحاق أقصى ضرر ممكن بالشعب اليمني وليس لهياكل عسكرية.
والأكثر إثارة للاستنكار هو استهداف مؤسسات إعلامية منها مقرات صحيفتي “26 سبتمبر” و”اليمن”، في انتهاك صريح لكل المواثيق الدولية التي تحمي العاملين في الإعلام وتكفل حرية تدفق المعلومات، مما يكشف عن نية مبيتة لخنق الصوت المقاوم ومنع العالم من رؤية فظائع هذا العدوان. والخسائر البشرية من شهداء مدنيين وجرحى، بينهم صحفيون وعاملون في المجال الطبي، هم خير شاهد على الطبيعة الإجرامية لهذه الهجمات، والتي تتجاوز كل الخطوط الحمراء الأخلاقية والقانونية.
لم تكن الردود الرسمية اليمنية على هذا العدوان مجرد بيانات شجب واستنكار تقليدية، بل جاءت لترسم ملامح مرحلة جديدة من المواجهة، وتعكس ثقة عميقة بالنفس وإدراكًا استراتيجيًا لتحول موازين القوى.
تصريحات الرئيس مهدي المشاط، التي أكدت أن “العدوان الصهيوني الغاشم على بلدنا فاشل”، وحذرت من أن “الرد آتٍ لا محالة”، لم تكن مجرد خطاب سياسي، بل كانت إعلانًا واضحًا عن تبني استراتيجية الرد الحاسمة التي لا تترك مجالًا للتراجع. وبالمثل، فإن تأكيد متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع على أن هذا العدوان “لن يمر دون رد وعقاب”، وإشارته إلى أن الهجوم منح اليمن “فرصة أكبر للرد بكل ما أوتينا من قوة”، يكشفان تحليليًا عن وجود خطط طوارئ متكاملة وجاهزة للتطبيق، وقناعة راسخة بأن الرد يجب أن يكون متناسبًا مع حجم الجريمة وحاسمًا في تحديد قواعد الاشتباك المستقبلية.
وهذه التصريحات، في مجملها، تشير إلى أن اليمن لم يعد في موقع الدفاع فحسب، بل انتقل إلى موقع المبادرة الاستراتيجية، حيث يتم تحويل كل عدوان إلى فرصة لإعادة تعريف معادلة الصراع لصالحه.
في النهاية، يعكس هذا العدوان، برغم بشاعته، الإفلاس الأخلاقي والعسكري للكيان الصهيوني، الذي يحاول استخدام لغة القوة المفرطة لإخفاء حالة الضعف والهزيمة التي يعيشها على الأرض في غزة. لكن الرد اليمني الحازم، سواء على المستوى العسكري عبر الدفاعات الجوية، أو على المستوى السياسي عبر الخطاب الواضح والثابت، يؤكد أن السلام الحقيقي في المنطقة لن يتحقق بموازين القوى القديمة، بل من خلال الاعتراف بحقوق الشعوب وإنهاء الاحتلال. وملحمة الدفاع الجوي هذه هي تأكيد على أن زمن الهيمنة من طرف واحد قد ولى، وأن أي عدوان مستقبلي سيواجه ليس فقط بالرد، بل بالعقاب الحاسم، فاليمن اليوم، وبكل فخر وثقة، أقوى من أي وقت مضى، ومستعد لمواصلة دوره التاريخي في الدفاع عن نفسه وعن قضايا الأمة العادلة، من خلال إرادة لا تلين وقدرات متطورة تثبت أن الحق عندما يقترن بالإرادة يصبح أقوى من كل الترسانات التسليحية.