المتقمصون والحاضنة الشعبية
إب نيوز ٢٨ سبتمبر
فهد شاكر أبوراس
إن العمل الثقافي والوعي السياسي في كل قرى وعزل اليمن المحررة هو بمثابة الشريان الحيوي الذي يغذي الجسد المجتمعي، وهو الجهد المتواصل الذي يسبق دائماً العمل العسكري ويواكبه ويمهد له الطريق في وجدان الناس، فهو لا يقل أهمية عن مواجهة العدو في الميدان العسكري، بل يُعتبر المعركة الحقيقية في سبيل تحرير القلوب والعقول، التي إن رُبحت رُبح كل شيء، وإن خسرت أصبحت البندقية مجرد حديد لا روح فيه.
إن هذا العمل المتواضع الذي يقوم به رجال صادقون يتلمسون حاجة الناس ويشاركونهم أفراحهم وأتراحهم، ويعلمونهم أمور دينهم بعيداً عن التعقيد والتصنع، هو الذي يبني الحاضنة الشعبية التي تحتضن المجاهدين العسكريين والأمنيين، فالمجاهد لا يقاتل في فراغ، بل هو ابن هذا المجتمع، ينبثق منه ويعود إليه، ويجد فيه السند والعتاد والدعم.
والحاضنة ليست كلمة تقال، بل هي ثمرة جهد تراكمي من الثقة المتبادلة، من شعور الإنسان البسيط في أقصى القرية بأن هذا المجاهد هو حاميه وراعيه، جاء ليخلصه من براثن الفساد والإجرام، وليس ليضيف إليه هماً جديداً أو عبئاً إضافياً.
لذلك فإنني أتوجه بقلب مليء بالنصح والإخلاص إلى إخوتي المجاهدين العسكريين والأمنيين، أولئك الأبطال الذين يحملون على عاتقهم أمانة البلاد والعباد، أن يحرصوا أشد الحرص على أن يستعينوا بالصادقين مع الله من أبناء تلك المناطق التي تخرج إليها الحملات الأمنية أو العسكرية.
فالصادقون يعرفون حقيقة الأرض وحقيقة الناس، وهم مرآة المجتمع التي ترى ما خفي على الآخرين.
فإن في الطريق عقبات ومزالق، وأهمها أولئك المتقمصون بثوب المسيرة، المنتمون ظاهرياً لهذا المشروع العظيم، ولكن قلوبهم معلقة بأهوائهم ومصالحهم الشخصية.
وهؤلاء للأسف يستغلون علاقتهم بالمجاهدين، ليحولوا بين المجاهدين وأهل المنطقة، فيبدأون بتزوير الصور وقلب الحقائق، ويستغلون سلطة الحملات وقوتها لتصفية حسابات شخصية قديمة مع أبناء عمومتهم أو أبناء منطقتهم، فيقدمون تقارير كاذبة ويسعون للإيقاع بالأبرياء في السجون تحت اسم المجاهدين والحملة الأمنية.
وهذه الآفة الخطيرة تظهر بوضوح، في الحملات الأمنية التي تشهدها بعض المناطق في شهر سبتمبر، بحيث يصبح الهدف الحقيقي للحملة مشوهاً، وبدلاً من أن تكون الحملة الأمنية محط أمن وأمان للمواطن المستضعف الذي طالما عانى من سطوة المفسدين، تصبح مصدر لإرعابه وتخويفه، لأنه يرى رجالاً يأتون باسم الدين والدولة، ولكن أفعال بعض من يرافقهم أو يستغلهم تناقض هذا المبدأ جملة وتفصيلاً.
وهذا بالضبط ما يسعى إليه أولئك المتقمصون، فهم عملاء للفساد وإن لم يعلنوا ذلك، وهم أداة في يد الأطراف المعادية للمشروع القرآني الذي ننشده، هدفهم الأساسي هو ضرب الحاضنة الشعبية للمجاهدين، ونزع الثقة بين الجندي والمواطن، وتحويل العملية الأمنية من عملية تطهير وتحرير إلى عملية انتقام شخصي وتصفية حسابات.
ولا شك أن وراء هذا التدمير من الداخل مقابل مادي من أعداء الأمة يتقاضاه أولئك المتقمصين، الذين يدركون أن هزيمة المجاهدين في الميدان العسكري صعبة، فأرادوا أن يهزموهم في داخل مجتمعهم، بأن يقطعوا أواصر المحبة والألفة التي بناها العمل الثقافي والتوعوي بشق الأنفس على مدى سنوات.
إلى كل المجاهدين الغيورين على المشروع القرآني، نحن في هذا الميدان ندرك حجم المخاطر جراء ذلك إدراكاً تاماً، ونعلم أن إنتصار الجبهة العسكرية والأمنية هو مرهون باستمرار تلاحمها مع الشعب، لذا فلا بد من التمحيص والتثبت، والرجوع إلى أهل الصلاح والاستقامة في كل منطقة، وعدم التسرع في اتخاذ الإجراءات بناء على شكوى أو بلاغ من شخص واحد، خاصة إذا كان له خصومات مع ابناء المنطقة. فالحكمة والروية هما أساس النجاح، والعدل هو الذي يرفع راية الحق، والمجاهد الذي يخشى الله في تعامله مع الناس، ويحرص على كسب قلوبهم، هو المجاهد الحقيقي الذي يعمل لمستقبل الأمة، وليس لمجرد تنفيذ أمر عسكري آني.
فليكن شعارنا أيها الأبطال هو قول الله تعالى: “وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”، واعلموا أن كل خطوة تخطونها على أرض تلك القرى يجب أن تكون محسوبة بدقة، لأن أثرها سيبقى طويلاً بعد رحيلكم، إما حباً ووفاءً إذا أحسنتم، وإما جرحاً ونفوراً إذا أسأتم ولو من دون قصد.
فاحذروا حذراً شديداً من أن تكونوا أدوات في أيدي المغرضين، واجعلوا همكم الأول هو رضى الله وكسب ثقة الناس، وإشعارهم بأنكم جزء منهم، أتيتم لحمايتهم من الظلم، لا لظلمهم وترهيبهم.
فهذه هي الحرب الحقيقية، حرب بناء الإنسان والوطن، وهي التي ستحسم مصيرنا جميعاً في النهاية.