شذرات من تضحيات الأمهات

إب نيوز 7 أكتوبر
كتبت /سعاد الشامي

حكاية الوداع ..
كان الألم وحده من يتوسد قلبها ؛ ووحده الله من كان يسمع أنفاس أنينها في جوف الروح ؛ ويرى رعشة يداها وهي ترتب ملابس إبنها المجاهد داخل حقيبة السفر ؛ كمن يحاول ترتيب أحزانه في ارشيف القلب بعد أن بعثرتها الأشجان محاولة طردها إلى الخارج على نوتة التنهيدات .

كان لون وجهها يتغير أكثر من مرة في اللحظة الواحدة ودموعها مأسورة في حدقات عينيها ففي قانون الصبر والاحتساب لايجوز البكاء عند توديع المجاهدين ؛ فراح قلبها يزداد خفقانا ونبضاته تسابق عقارب الساعة التي تعلن قرب موعد الرحيل وإنتهاء فترة الزيارة .

يرن الهاتف ويتسرب إلى مسامع روحها صوت ابنها وهو يرد: “نعم ياولي الله ربع ساعة بالكثير وأنا عندكم” ؛ وفي هذه اللحظة أنتفضت مشاعرها وكأنها في مناورات عاصفة مع الفقد لايقوى القلب على صدها !!!

لم تكن المرة الأولى التي يذهب إبنها إلى الجبهات ولكنها لاتدري لماذا في كل مرة تجردها لحظات الوداع من روحها إلى هذا الحد من الشجن ؟!

إبنها… الذي لبى نداء الجهاد ؛ يحمل روحه على كفه و يسارع إلى توديعها وتقبيلها والسلام عليها وهو يقول “أسندوني أمي بالدعاء فهو غاية مانحتاجه منكم” ؛ لترفع يدها إلى السماء تدعي ربها أن يحفظه له ويحفظ كل المجاهدين ويمدهم بنصره وتأييده ؛ يرد عليها بنبرة الواثق بربه “في المرة القادمة بإذن الله لن أعود إليك إلا وقد تحرر الساحل الغربي ” ؛ تحاول أن تخفي وجع الوداع وتلطف الجو بشيئ من المرح لترد عليه : وستكون المكافأة خطوبة حتى ولو كلفني الأمر أن اكون جدة !

هل تعتقدون بأن الأم أمام فراق إبنها قد تفكر بشيء سواه ؟!
كلا والف كلا ؛ فإبنها هو أغلى ماتملك ؛ وعاطفتها هي أرقى درجات التجلي الروحي.

ولكنها أمراة علمتها مظلومية وطنها أن تتحاور مع عاطفتها بلغة الصبر ؛ وأكسبتها ثقافة القران حكمة الوعي والبصيرة؛ وإيقظت فيها نزعة التضحية والعطاء.

هي امرأة في بلاد تكالب عليها اعداء لا يعترفون بقانون الرحمة ولابحرمة الإنسان وقداسة الأوطان ؛ ليدمروها وينهبوا خيراتها ويحتلوا أراضيها ويقتلوا أبنائها قصفا وتجويعا؛ وفي هذه المعارك المصيرية لاخيار لها إلابالتضحية والعطاء ؛ فالعاطفة وحدها لاتصنع النصر ؛ بل هي تموت بموت الإحساس بمعاناة الآخرين وتتحول رفاتها إلى أنانية ؛ وما يعاني منه أبناء اليمن نتيجة العدوان يشعرها بالخجل على الإحتفاظ بإبنها في منزلها والجبهات تنادي الأحرار .

يقولون الماسي الكبيرة هي التي تجعلنا كبارا وفي اليمن تنجب النساء جبالا.

الحلقة السابعة

You might also like