عطوان : اغتيال البروفيسور زادة أب المشروع النووي الإيراني في قلب طهران ربما يشعل فتيل حرب تغير الشرق الأوسط جذريا..كيف سيكون الرد الإيراني وأين ومتى؟

إب نيوز ٢٨ نوفمبر

عبد الباري عطوان : اغتيال البروفيسور فخري زادة اب المشروع النووي الإيراني في قلب طهران ربما يشعل فتيل حرب تغير الشرق الأوسط جذريا.. كيف سيكون الرد الإيراني وأين ومتى؟ وهل سيكون روحاني وظريف وجناحهم المعتدل ابرز الضحايا الى جانب ترامب ونتنياهو؟ ولماذا سيصعب على الصقور “امتصاص” هذه الإهانة؟

 

تشكل عملية اغتيال البروفيسور محسن فخري زادة ضربة معنوية ونفسية، واختراق امني هو الأخطر بالنسبة الى ايران، ومحور المقاومة، ويستدعي ردا قويا على المستوى نفسه، ان لم يكن اعلى، لان هيبة هذا المحور تتآكل بشكل متسارع، وتهديداته بالرد لم تعد تحظى بالم صداقية، والاهتمام في أوساط الرأي العام، بشقيه العربي والإسلامي، بعد تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية والأمريكية واعمال الاغتيال الاستفزازية المهينة سواء في العمق الإيراني، او في سورية العراق.

يدور حاليا جدل كبير في أوساط القيادة الإيرانية في اجتماعات مغلقة لبحث كيفية الرد على هذه العملية التي تؤكد مراجع عديدة انها نتيجة عمل استخباري إسرائيلي امريكي مشترك ربما شاركت فيه بعض الحكومات العربية أيضا:

  • المدرسة الأولى تمثل الجناح “المعتدل” والبراغماتي، الذي يقوده الرئيس حسن روحاني وذراعه الأيمن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية، وترى هذه المدرسة ان الهدف من عملية الاغتيال هذه هو جر ايران الى رد انتقامي متسرع يقدم للرئيس المهزوم دونالد ترامب وحليفه نتنياهو الذريعة للشن هجوم كاسح على ايران لتدمير منشآتها النووية وبناها التحتية، سواء بدور امريكي مباشر، او باستخدام “إسرائيل” كرأس حربة، خاصة ان التجهيزات لهذا الهجوم شبه مكتملة بوصول حاملات الطائرات والسفن الحربية، وطائرات “B52” القاذفة العملاقة الى منطقة الخليج والشرق الأوسط.

  • المدرسة الثانية يتزعمها السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، وحسن سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، وصقور المؤسسة الإسلامية الحاكمة، وتطالب برد فوري وقوي، وعدم انتظار انتهاء المرحلة الانتقالية المتبقية لإدارة الرئيس ترامب، لان الكيل قد طفح، وصورة ايران كزعيمة لمحور المقاومة، و”الإسلام الشيعي” اهتزت، وتعكف هذه المدرسة حاليا على اختيار اهداف الرد السريع، سواء داخل فلسطين المحتلة او خارجها، وهذا ما يفسر وضع السفارات الإسرائيلية في العالم في حالة طوارئ امنية قصوى باعتبارها احد الأهداف.

انصار المدرسة الثانية باتو يملكون اليد العليا، ويوجهون انتقادات حادة جدا الى نظرائهم في مدرسة “الاعتدال”، ويحملونهم مسؤولية هذا التطور الأمني لانهم عارضوا أي رد عسكري على الغارات الإسرائيلية على اهداف إيرانية في سورية والعراق، واغتيال عشرة علماء ذرة إيرانيين وفي العمق الإيراني، الى جانب اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ورفيقه أبو مهدي المهندس في مطار بغداد قبل عام تقريبا، فعدم الرد بشكل موجع على جميع هذه الاستفزازات هو الذي شجع التحالف الأمريكي الإسرائيلي على مواصلة هذا النهج، مثلما شجع حكومات خليجية الى التطبيع مع دولة الاحتلال، وتوفير قاعدة عسكرية وامنية لجهاز الموساد الإسرائيلي لتجنيد العملاء وبما يسهل عمليات الرصد والتنفيذ لهذه العمليات.

 

***

الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح هي عن طبيعة هذا الرد الإيراني المحتمل والحتمي في نظر الكثيرين، وكيفية تنفيذه، ومسرحه، وتوقيته، فهل سيتولى الحرس الثوري بمفرده هذه المهمة مثل هجومه على الناقلات النفطية في الخليج، واسقاط الطائرة الامريكية “غلوبال هوك” المسيرة فوق مضيق هرمز، ام ان يتم القاء هذه المهمة على عاتق الجيش الإيراني مثلما حدث عندما اطلق صواريخه لقصف قاعدة عين الأسد انتقاما لاغتيال سليماني.

هناك نظرية تقول بأن الرد ربما يكون متعدد الأوجه، من حيث احتمال مشاركة الاذرع العسكرية الحليفة الايران مثل “حزب الله” (لبنان)، وانصار الله (اليمن) الحشد الشعبي (العراق)، حركتي “حماس والجهاد” (غزة)، ولعل هجوم حركة “انصار الله” الحوثية بصاروخ مجنح على منشأة نفطية سعودية في مدينة جدة اثناء انعقاد قمة “نيوم” بحضور نتنياهو وبومبيو وبن سلمان احد الأمثلة.

ندرك، ومن خلال التجربة، ورصد الاحداث في المنطقة على مدى أربعين عاما، ان عدم الرد، او تأخره، يفقد أصحابه الهيبة، ويقلص من أهمية نظرية الردع، ومفعولها، ويرجح كفة موازين القوى لصالح الأعداء الذين سيواصلون حتما عملياتهم الاستفزازية.

النظريات العسكرية، الإسرائيلية والأمريكية خصوصا، تعطي الأولوية دائما الى حجم الخسائر سواء في صفوف قواتها وحلفائها، او في صفوف مواطنيها، وبناها التحتية، على عكس الخصوم في المعسكر الآخر، وهناك امثلة عديدة في هذا الاطار ابرزها التجربة السوفييتية في أفغانستان، والأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان أيضا، فكلما تعاظمت الخسائر البشرية والمادية تعاظمت احتمال النصر وهزيمة الطرف الآخر حتى لو كان يملك قوة عملاقة.

اغتيال البروفيسور فخري زادة الذي يوصف بأنه “قدير خان” البرنامج النووي الإيراني، لن يوقف هذا البرنامج، بل قد يضاعف سرعة تطويره، ويعجل بإنتاجه أسلحة نووية، فهناك بدائل لكل خبير، ولكل منشأة نووية، واغتيال عشرة علماء يؤكد هذه الحقيقة، والامريكان والإسرائيليون يعرفونها جيدا، ولهذا ستعطي عملية الاغتيال هذه نتائج عكسية.

قبل أسبوع اجرى الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية تتمحور حول تعرض “إسرائيل” لهجوم  صاروخي صاعق من عدة جبهات دفعة واحدة، مثلما اجرى حلفاء أمريكا في المنطقة (مصر، السعودية، الامارات، والأردن) تدريبات عسكرية في الوقت نفسه في قاعدة محمد نجيب المصرية، ولا نعتقد ان هذه التدريبات جاءت صدفة، وانما في اطار الاستعداد لحرب.

تحدثنا في الفيديو قبل الاخير على قناتنا على اليوتيوب (اضغط هنا) عن وجود سيناريو إسرائيلي امريكي بتنفيذ اعمال اغتيال لشخصيات مؤثرة في محور المقاومة، على رأسها السيد حسن نصر الله، امين عام حزب الله، وان الأخير اعلن حالة الطوارئ القصوى، واعتمدنا في ذلك على مصادر وثيقة في محور المقاومة، وها هي وكالة “رويترز” للأنباء العالمية، تنقل تقريرا لصحيفة “نيويورك تايمز” يؤكد اعتمادا على ثلاثة مصادر ان “الموساد الإسرائيلي يقف خلف اغتيال البروفيسور محسن زادة، وان زيارة مايك بومبيو لتل ابيب الأسبوع الماضي كانت بهدف الاستعداد لما يمكن ان يترتب على عملية الاغتيال هذه من تداعيات ابرزها اشعال فتيل الحرب في المنطقة.

***

الحرب العالمية الأولى اندلعت بسبب اغتيال ولي عهد النمسا، ولا نستبعد اندلاع حرب إقليمية، وربما عالمية، في الشرق الاوسط بسب اغتيال زادة، لان نتنياهو وترامب مستعدان لتدمير العالم من اجل انقاذ نفسيهما من الازمات التي تواجههما حاليا.

عام 2020 كان عاما سيئا بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط، ابتداء من التطبيع وانتهاء بالكورونا، وربما يكون العام المقبل عام الصواريخ، وتصحيح الكثير من الخطايا والانتكاسات، والامر المؤكد ان القاعدة الذهبية التي تقول انه ليس لدى الشعوب ما يمكن ان تخسره، ولكن هناك الكثير الذي يمكن ان تخسره أمريكا و”إسرائيل” وحلفاؤها العرب الذين طبعوا في الوقت الضائع، والأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت، وإسرائيل التي خسرت جميع حروبها منذ عام 1967 باعتراف افيغدور ليبرمان وزير حربها الأسبق، لن تكسب أي حرب قادمة، فالزمن تغير، وخصومها الجدد غير خصومها القدامى، ولحظة الحقيقة اقتربت.. والأيام بيننا.

You might also like