كاتبة وصحفية لبنانيه: الصاروخ اليمني ضيف ثقيل على بن غوريون: تطور في مسار التصعيد

إب نيوز ٥ مايو

كان الصاروخ اليمني أسرع الوافدين إلى مطار بن غوريون في كيان الاحتلال. هذا الضيف الذي حل ثقيلاً على دائرة القرار الاسرائيلية الاميركية، أعاد طرح أسئلة جدية بشأن حدود الردع الإسرائيلي، والتبدل المستمر في موازين الصراع الإقليمي، وجدوى العملية العسكرية المستمرة ضد اليمن.

لم تكن الضربة عسكرية بالمعنى التقليدي، إذ لم تُحدث دماراً شاملاً في المطار، لكن رمزيتها الأمنية والسياسية كانت أكبر من أن يتم تجاهلها. أن يصل صاروخ باليستي إلى واحد من أكثر المواقع حساسية داخل “إسرائيل” دون أن تتمكن أنظمة الدفاع الجوي من اعتراضه، يُعتبر اختراقاً أمنياً ونفسياً في آنٍ معاً.

ما تغيّر ليس فقط في المدى الجغرافي، بل في الجاهزية والقرار. فالرد جاء من دولة محاصرة منذ أكثر من تسع سنوات، تتعرض بشكل متكرر لغارات أميركية وبريطانية.

ردود الفعل الإسرائيلية، كما رصدتها وسائل إعلام عبرية، تراوحت بين الإنكار الأولي والاعتراف الضمني. تصريح رئيس هيئة الطيران المدني الأسبق، نيري ياركوني، حول “الضربة غير المسبوقة” التي أصابت المطار، يعبّر عن ارتباك أمني حقيقي. فالهدف هذه المرة لم يكن قاعدة عسكرية أو سفينة، بل منشأة مدنية تشكّل عصب النقل الجوي الإسرائيلي.

تداعيات هذه الضربة لا تتوقف عند البعد العسكري، بل تمتد إلى قطاعات النقل والسياحة والاستثمار. وقد ظهرت مؤشرات ذلك سريعاً من خلال إلغاء أو تأجيل رحلات جوية من وإلى المطار.

ما يثير الانتباه أيضاً، أن هذه العملية جاءت بعد أسابيع من تصعيد أميركي مباشر ضد اليمن، ضمن ما وُصف بمحاولة تحجيم قدرات أنصار الله في البحر الأحمر ومحيطه. لكنّ النتيجة جاءت عكسية: القدرة الصاروخية استُخدمت في مسرح جديد، وبدل أن يُفرض الحصار على اليمن، جرى التشكيك في فعالية الحصار المفروض على “إسرائيل”.

تأتي هذه الضربة ضمن سلسلة تحركات ميدانية متزامنة شملت استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها في البحر الأحمر، وتعطيل حركة الملاحة باتجاه إيلات. بهذا المعنى، فإن صنعاء تسعى إلى فرض معادلة ردع مزدوجة: تهديد المصالح الإسرائيلية في البحر، وضرب الداخل في حال استمرار العدوان على غزة.

ووفق مراقبين إسرائيليين، فإنّ هذه الاستراتيجية تتحدى افتراضات أمنية راسخة في المؤسسة العسكرية، وتدفع نحو إعادة النظر في أولويات الحماية، بما يتجاوز غزة ولبنان إلى البحر الأحمر واليمن.

إن ما جرى لا يعني بالضرورة أن اليمن بات يمتلك القدرة على شنّ حرب صاروخية مفتوحة، لكنه يعكس بوضوح امتلاكه إرادة الرد من خارج الدائرة التقليدية، بما يربك الحسابات الإسرائيلية. وفي ظل تآكل صورة الردع الأميركي، وبروز تشققات داخلية في الكيان بفعل حرب غزة، فإنّ أي تطور على هذا الصعيد، حتى وإن بدا محدوداً، يُمكن أن يتحوّل إلى عنصر ضغط سياسي واستراتيجي.

رغم محاولات التهوين من قدرة اليمن على تكرار استهداف مطار بن غوريون، ووسط حديث متزايد عن فرض حظر جوي على الكيان، تبقى حالة الترقب والقلق حاضرة بقوة في أوساط شركات الطيران العالمية والمستثمرين والسياح الأجانب. فتهديد واحد بحجم ما وقع -وقد أثبت جديته- يكفي لزرع حالة من الارتباك في بيئة يُفترض أنها مستقرة.

فالاقتصاد، بخلاف المعادلات العسكرية أو التصريحات السياسية، يتفاعل فوراً مع الهزات الأمنية، ويتأثر بمؤشرات الخطر لا بنتائج التحقيقات. وفي الحالة الإسرائيلية، تكشف ضربة واحدة ناجحة أن “العمق” لم يعد آمناً، وأن المفاجآت قد تأتي من أبعد النقاط وأقلها توقعاً. وهي رسالة تلقفها الخارج جيداً: بيئة الاستثمار والسفر في “إسرائيل” باتت محكومة بقلق جديد، تُحسب فيه خطوات رأس المال والسياحة على إيقاع التحولات الميدانية، لا على بيانات الطمأنة الرسمية.

الكاتبة والصحفية اللبنانية :مريم السبلاني

You might also like