بوحٌ في ذكرى استشهادهم

إب نيوز ٢١ ديسمبر

الطاف المناري

مرت 4 أعوام على رحيل أخي محمد ، مرت 4 أعوام كلها لوعة وشوق ، فقد واحتياج لنظرة واحدة إليه، مرت أربعة أعوام ونحن نعيش على أضغاث أحلام ، مرت أربعة أعوام ونحن نستيقظ على لقاء حدث في المنام فزادنا حنيناً وشوقا .

مرت 4 أعوام على تلك اللحظة التي أخبرت فيها بأن أخي محمد قد التحق بركاب الشهداء مع ابن عمي .

كنت حينها ذاهبةٌ لأداء واجب المواساة لأسرة شهيد ، لم انثنِ عن الذهاب بعد أن علمت بإستشهاده ؛ لأن تلك الأسرة تودع ابنها الثاني شهيداً .
أصرينا أنا وابنة عمي على الذهاب لنرفع معنويات تلك الأسرة ، ونحن احوج إلى رفع معنوياتنا وتهوين مصابنا ، وصلنا بيت أسرة الشهيد أو بالأصح الشهيدين فقامت أم الشهيدين برفع معنوياتنا رغم عدم علمها بأننا علمنا حديثاً بأنٌا سنزف في اليوم التالي شهيدين من فلذات أكبادنا .. لم تهمس إلينا بكلمة مواساة ابداً ، ولكن ثباتها ورباطة جأشها فعل فينا الكثير والكثير .

ذهبنا لنواسيهم فعدنا محتسبين مطمئنين رغم هول الفاجعة ، ضلينا نحبس وجعنا وكمدنا لأسبوع كامل مع احتساب الأجر… ولكم أن تتصوروا ذلك.

كان جيراننا يخشون الإقتراب من منزلنا حتى لايكون أحدهم مصدر لإشعال فتيل الحزن الذي قد سكن في قلوبنا وأخفي من على ملامحنا.

في كل تلك الفترة كنت احسد أختي الذي كانت تطلق العنان لدموعها لتنصب على خديها بكل حرقةٍ وألم ، كانت تبكي متى ماذكرت موقفاً لأخي ، كانت تبكي بحرية ، أما أنا فكنت اكتفي بتنهيدة يود قلبي الخروج معها ،كنت في صدمة حاولت مراراً البكاء فلم أستطع كانت عيناي تمتلئ بالدمع الحار ولكن كان ثمة غصة أسفل حلقي تمنعانه من أن ينهمر ، وجنتاي كانت تحمرا وكأن الدم يريد أن يقوم بالواجب بدلاً من دموع عيني ولكن ذلك لم يزد الأمر إلا سوءاً .

تلك الغصة حلت في وسط صدري وهاهو العام الرابع يأتي ولازالت مع فارق بسيط وهو أني ارتوي دمعاً ثم أستطيع أن أدون جزء بسيط ربما يراه البعض سخيفاً لاينبغي ذكره ، ولكن ذلك الجزء ليس هيناً عند أهله وردة الفعل لها أثرها في قلوب الرجال ومدلولها العظيم ، كتابة هذا الشعور كان أمراً ليس بمقدوري فعله بالماضي لشدة تحكم تلك الغصة بي وها أنا أكتب وهي تحكم قبضتها ولكني أقاومها واستمر في سرد جمل أبث فيها شعور ينتاب كل أسرة شهيد لأرسم مشهداً لكل من لم يعش تلك المواقف .

حزننا ليس لإن أخي ارتقى شهيداً بل لأننا حُرمنا منه ومن النظر إليه متى شئنا ، لإنه لم يعد بيننا ولن يشاركنا لا آكلنا ولاشربنا ولافرحنا ولاحزننا ، بكائنا كان لشدة الحنين الذي اجتاح جوارنا للتو ، وشوقنا الذي لن يطفئه الإلقاء أحبتنا وعناقهم لساعات طويلة…فراق الأحبه يجعل الروح تعيش الشيخوخة وهي في عُمر الزهور.

مر أسبوع وأمي وأم ابن عمي لاتعلمان بأن ولديهما قد حلقا في عالم التضحية والفداء ، لاتعلمان بأن محمد ومحمد قد تركاهما وغابوا عن ناظريهما للأبد
لاتعلمان بأنه قد كتب لهما الإنتطار الذي لن يتحقق إلا بمجيء الموت .

كانت أمي في زيارة لوالدها أما خالتي (أم ابن عمي) فهي مصابة بالسكري إضافة إلى حالة نفسية ، فخشينا أن تستاء حالتها ونفقدها هي الأخرى ، وكلنا وجلون من لحظة إعلامها .

وفي يوم السبت وصلت أختي من محافظة صعدة وما إن نادت المساجد بصلاة العصر حتى امتلئت غرفتنا بنساء متشحات السواد على ملامحهن الحزن والأسى والشفقة لحالنا .

في ذلك اليوم كنت أرى منزلنا مظلم كأن على عيناي غشاوة ، لازالت صور تلك النسوة عالقة في مخيلتي وهن مزدحمات في تلك الغرفة المشؤومة التي تلقينا فيها خبر استشهاد أخي الثاني في هذا العام..لازالت كلمات المواساة عالقة في مسمعي ، حينها كنت غير مستوعبة للخبر ..ولكن كلمات المعزين كانت تيقظني
فتزداد تلك الغصة تحكماً في عنقي ولازلت الآن أشعر بها.

وفي يوم الخميس الموافق 26.12.2017 الواحدة ظهراً …خالتي في حيرة لحضور اخواتي وتجمع الناس في منزلنا تسأل بفزع كل من صادفت عن استشهاد أخي ولاتعلم عن ابنها شيئاً كانت تطلق كلمات الحزن على رحيل أخي ولكن سرعان مايقطع مصير ابنها تفكيرها فتسأل عنه فيجيبونها بأنه في العناية المشددة فتفرح أنه مازال حياً ثم تعود لتتأوه لرحيل أخي ، ولكن سرعان مايأتي آخر فينفي الخبر السابق بقوله أنه شهيد فتزداد حيرة وتوجس وخوف وتظل تبحث عن الحقيقة بقلب يخفق اضطراباً وخوفا
ظل هذا الحال لدقائق كان ثقلها علينا كساعات ، فمن رآها اختنق بغصة أو انكب على وجهه ليخفي هطول عينيه.

بعد أن علمت ذرفت الدموع وتحشرجت لمرات عديدة وهي تقول “تركتني يامحمد ولدي ” كنا نراها ونزداد حزناً …وبعد ساعة لم يحصل ماكنا نتوقعه فقد رأيناها تتماسك وتصبر نفسها وتحتسب الأجر خلاف ماكنا نتوقع ، أمي هي الأخرى كانت تردد لقد ذهبوا أما لنصر أو الشهادة ، وتستمر في الدعاء على العدو ولكن كان الحزن بادٍ عليها رغم امتلاكها 7 أولاد ومحمد هو ثامنهم ولكن كيف لروح أن لاتحزن لذهاب قطعة منها ….عندما رأيت أمي وخالتي في ذلك الجلد والصبر والتحمل لمست بعضاً مما قاله أخي الشهيد ، لمست رعاية الله وتدخله ولطفه… رأيت عناية الله حقيقة عندما رأيت ثبات أمي وخالتي ، رأيت لطف الله بقلوب الأمهات عندما رأيت أم الشهيدين ، شعرت بالسكينة وتثبيت القلوب الذي عجز الجميع عن أدائه لنا…سكينة عجيبة ربما أن حجاج بيت الله لم يشعروا بها.

كل تلك العوامل كانت تزيدنا قوة وثبات وتحدي للعدو وتجعلنا نلهج بالحمد والشكر أن الله أختار من أسرتنا بطلين وفي آن واحد.

ومازالت الشهادة تنتقي خيرة رجالنا وتقطف زهور شبابنا وقد حلت للمرة الثانية على بيتنا وأختارت أخي محمود الذي يصغر محمد بسنة فقط ، في المقابل لازلنا نحمد الله ونشكره على ذلك الإصطفاء رغم مرارة الفقد وشدة الحنين لشهدائنا وأننا نغبطهم لنيلهم وسام لايناله إلا ذو حظ عظيم.

فسلام عليكم يااخوتي ماتعاقب الليل والنهار.

الف الف سلام عليهم مع كل دمعة اشتياق.

والف ألف سلام عليكم من كل مخلوق يسبح الواحد القهار.

طاب مقامك أخي محمود أنت ومحمد الكرار.

الذكرى الرابعة لإستشهاد محمد سعد المناري.
ومحمد أحمد المناري.

 

You might also like