حــارس الكــتب

إب نيوز ٢١ ديسمبر
————————-

عفاف البعداني

لقد انبهرت من حياة الأدباء القُدامى، الذين سطروا بحروفهم أصدق الشعور وأبلغ المعاني، خلدوا حياة خاصة بهم لايعانقها الرحيل ولايقترب منها إلا ذوو التفكير الصعب، والغريب أن سيرتهم لازالت حية في بطون الكتب، لازالت صورهم واقفة في متاحف العالم والمكاتب غير منسية، نعم لقد اتسع خيالهم، وتحصنوا من عوارض النسيان المميتة ؛ حتى أنهم وضعوا لكل قصة ولكل موقف، وحي محنط بتوابيت الكتب النصف حية، كما يبدو أن نظرتهم كانت عالية الدقة وممنهجة بالتزامن مع كل العصور ، ومع كل جيل رجع إلى زمنهم بآلة عجيبة تسمى “القراءة”.

فسريرتهم النفسية أدركت ماهي العصارة الفنية التي توضع في كؤوس الحروف الأبجدية، حتى تناولتها الجماهير من بعدهم بكل هذه الشراهة، وبتلك الكيفية استطاعت خلجات الأدباء، تدوين المواقف والقصص والتجارب، بطريقة أدبية كان لها أثر يغوص في ناطور حياتنا وباستمرار.

أدركت أنهم عاشوا حياتين: حياة…. مضت وولى زمنها في عصرهم، وحياة. … . لم تمت بل لازالت تولدمعنا، و تمتد مع أرواحنا وتكبر كل يوم ، تقرأنا ونقرأها عبر بريد الأرواح.

تُشاركنا أدق تفاصيلنا وكأنها تشرح كل ماعجزنا عن كتابته، حتى أنني عند قراءتي لإحدى مقولات الأدباء السابقين، يُخيل لي أن الكاتب عرف عن عصرنا كل شيء ، وسمع حروفنا المحتجزة بجيب الحياة المسني، وقرأ عقليتنا المتدرحجة مع عجلة الزمن السريع.

بل إنني عندما اقرأ قصصهم المغمورة بالوصف يخيل لي أنهم الآ ن يعيشون معنا في زمن واحد، وأن أسواقنا واحدة وشوارعنا واحدة، فقط المختلف أن أجسادهم خلعت نفسها من صندوق الحياة وانتزعت من الرؤية العينية وأصبحت خالية من دقات اللحظات الآنية، بينما نحن أحياء بالرؤية والحضور، وهذا يعد من أقوى الشعور المتداول عند القُراء، تجاوزت الشعور وتحولت لحقيقة وضعت في كثير من الرويات والقصص المذكورة في حياتهم، والمرتبطة بحياتنا أيضا.

وهناك مقطوعات نصية نمر منها ونشعر كما لو كنا المقصودين بها بل نعدها خلاصة سببية بنتائج حسيةلحياة لم نرها بعد، وهذا كله من فرط الشعور المتشابه الذي لزمنا ولم نجد وصفه ولكن تفاجأنا عندما رأيناه مكتوبا عند بلاغة محمود درويش ،ونباغة المنفلوطي ،وثورةغسان كنفاني، فنضرب عن الكتابة لمدة أيام لقلة ما نملك وغزارةمايمتلكونه.

بل إنني عندما اقرأ لأي أديب قصة، أو رواية، أشعر أني ولدت معه دون علم، وبت أقاسمه تفاصيل حياته بشتى أنواعها ، ولا أجدني إلاغارقا في كتاب أو سطر وانجو بطريقة فضيعة، أشرد لحينات طويلة وأتقدم لعنكبوت الكتب ،افتني في أمري:

هل الشرود يعني أني انتقلت من عصري واستأجرت نافذة من نوافذ ا الزمن القديم ، واسترقت نظرة مختلفة وغريبة من زمن شمس وغادة ونازك؟؟
أو لربما الزمن القديم جاء ليرسم ظله في مطارح عزلتي؟؟

وتأتي الفتوى من قس روحي كان يسمعني خلف رفيف المكتبة، هو يحفظ كل قصص الأدب، يوقر حياة كل أديب وأديبة ويحميها من السرقة، يمسح غبار العناكب، وينظف الرفوف من غبار الأمس البشري، كل صباح يجيبني قائلاً :

” ياغريبة لستُ مفتي الدار…. ولا سيد الخيال…… ولكن ما أريد قوله: إن القراءة غذاء الفكر فكلما توسعت مداركه بالقراءة كلما تفتحت موسوعة التخيل وتعاظم شأنها واغرورق حسها وأبحرت في سفن الشرود، فلا أنتِ انتقلتِ يامحاورة ولا الأدباء قد قاموا من قبورهم ،إنما هو خيط رفيع يصل مابين قدارت العقل الاستياعبية وارتباطها بالعالم القديم والجديد وهذه هي إحدى الاعيب القراءة، إذا أكملتِ قراءة هذا الكتاب أعيديه برفق، للرف الثالث وهذا هو مفتاح الدرج الرابع إن أردتِ المتابعة،”.

.

You might also like