الهندسة العاطفية لقناة الجزيرة.. استعراض المعاناة وإخفاء أدوات النصر..!!
إب نيوز ٢٦ مايو
فهد شاكر أبوراس
لا أحد ينكر دور قناة الجزيرة في فضح جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة، ولكن تحيزها الإنتقائي للأيديلوجية الإخوانية والسياسة الخارجية لدولة قطر يضعف وبشكل كبير تأثير المقاومة الشاملة.
إن الشعوب العربية والإسلامية بحاجة أيضاً إلى “الأمل” بقدر حاجتها إلى معرفة “الحقائق وإن كانت مرة”، وذلك عبر ابراز النماذج الناجحة سواءً كانت عسكرية أو اقتصادية، لإثبات أن تغيير المعادلة أمر ممكن.
إن استمرار قناة الجزيرة في تهميش الأنشطة الفاعلة، مثل المقاطعة الإقتصادية والعمليات العسكرية لإسناد غزة أو تنقلها بالسردية الصهيونية إن أجبرت على نقلها لتتماشى فقط مع رغبة جمهورها في الوطن العربي المسلم، وهذا يثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه القناة ودورها المشبوه في تعزيز روح الهزيمة النفسية لدى المشاهد العربي، بدلاً من تحفيزه على المقاومة العملية.
لقد أظهرت قناة الجزيرة من خلال تغطية الحرب الصهيونية الإجرامية في قطاع غزة انحيازاً دراماتيكيا نحو تصوير المعاناة الإنسانية في قطاع غزة فقط وتكرار مستمر لمشاهد الدمار واعداد الشهداء المدنيين من الأطفال والنساء، لتحريك المشاعر العربية ضد القوى “الغازية” بحسب السردية المتكررة لقناة الجزيرة.
ولكن هذا التركيز في حقيقة الأمر يقابله صمت مريب أو في الأدنى تهميش ممنهج تجاه كل العمليات العسكرية والأنشطة الشعبية التي تنفذها فصائل المقاومة في مناطق وبلدان أخرى تختلف ايديلوجيا وسياسيا مع التوجه القطري.
اللافت في هذا الأمر هو أن هذا النهج ليس وليد اللحظة، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية محكمة تخدم التوجهات السياسية لدولة قطر، الممول الرئيسي لهذه القناة.
تستخدم دولة قطر قناة الجزيرة كأداة لتعزيز نفوذها الإقليمي عبر خطاب يبدو ظاهرياً مناصراً للقضية الفلسطينية، لكنه في باطنه يعمل على تحويل المأسآة في غزة إلى مسرح للعاطفة بدلاً من الفعل، وهذا يضعف الروح القتالية لدى الشعوب العربية.
والمفارقة الأكبر هنا تكمن في تناقضات قناة الجزيرة بين خطابها “المقاوم” وممارساتها الخفية.
فبينما تدين هذه القناة بأشد العبارات التطبيع العربي مع دولة الكيان الصهيوني، تغض الطرف عن نقل أطنان الأسلحة الأمريكية من قاعدة العديد الأمريكية في قطر إلى الكيان، والتي تستخدم في إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا الصمت يفضح التواطؤ القطري مع المحتل تحت ستار الخطاب الإعلامي المناصر، مما يذكي الشكوك حول النوايا الحقيقية لقناة الجزيرة.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهذه القناة تمارس نوعاً من “الهندسة العاطفية” عبر التركيز على البكاء والنواح بدلاً من تحليل الإستراتيجيات العسكرية والنجاحات الميدانية سواء عمليات المجاهدين في غزة أو اليمن ولبنان والعراق المنكية بالكيان الصهيوني، وتسعى لتحول كل قصف في غزة إلى مأساة إنسانية دون تسليط الضوء على تكتيكات المقاومة والتي تربك العدو، بينما تهمل تماماً عمليات اليمن العسكرية في البحار وفي العمق الجغرافي للكيان ونجاح القوات المسلحة اليمنية في تحييد واشنطن من إسناد الكيان الصهيوني. وهذا الخلل يضعف الروح المعنوية لدى المشاهد العربي، ويرسخ فكرة أن المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد لها عاجزة عن تحقيق انتصارات ملموسة، في حين أن الواقع يشهد العكس، وإن اضطرت قناة الجزيرة إلى نقل أخبار عن عمليات عسكرية في مناطق أخرى، فإنها تفعل ذلك بشكل عابر وغير مفصل، خوفاً من فقدان شعبيتها التي بدأت تنجذب نحو القنوات البديلة التي تغطي هذه الانتصارات.
في الختام، تبدو قناة الجزيرة كـ”سلاح ذو حدين”: من ناحية، تعري جرائم الحرب في غزة وتكسر احتكار الإعلام الغربي للمعلومة ، ومن ناحية أخرى، تسيس المعاناة الإنسانية لخدمة أجندات تقوض إرادة الشعوب العربية والإسلامية، وإرادة المقاومة.
إن تحول قناة الجزيرة إلى أداة في الصراعات الجيوسياسية جعلها تبتعد عن المهنية، لتصبح بذلك جزءاً من آلة الحرب النفسية التي تروض الشعوب على قبول الهزيمة، تحت شعارات براقة تخفي خلفها مصالحا ضيقة.