من “اختراق القبة” “إلى تكسير القيود النووية” إيران تصنع النصر
إب نيوز 25 يونيو
فهد شاكر أبوراس
لقد سجلت الجمهورية الإسلامية في إيران انتصاراً تاريخياً على محور الشر المتمثل بالكيان الصهيوني وأمريكا ودول الغرب، وهو انتصار تجلى في إجبار إيران العدو الصهيوني على التراجع عن غيه وعدوانه، وهذا ليس ادعاء بل هو واقعاً مفروضاً بمنطق القوة والحكمة؛ فلو كانت استمرارية العدوان الصهيوأمريكي على إيران يحقق مصالحهم أو يضمن تفوقهم العسكري والسياسي، فما الذي يدفع واشنطن وحلفاءها إلى التوسل الدبلوماسي والمساعي المحمومة لوقف القتال..؟!
لقد تكبد محور الشر المتمثل بالكيان الصهيوني وأمريكا والدول الغربية خسائر استراتيجية فادحة أفقدته التوازن وأجبرته على الترنح، فسارع إلى طاولة التفاوض طالباً وقف إطلاق النار، تماماً كما حدث في التجربة التاريخية الناصعة عندما تعرضت باكستان للعدوان الهندي المدعوم أمريكياً وغربياً؛ فبمجرد أن تلقت الهند ضربات موجعة وكشفت ساحات القتال عن فشل الذخيرة الغربية وعجزها أمام بسالة الترسانة الباكستانية، شاهد العالم كيف أن واشنطن وحلفاؤها تحولوا إلى وسطاء يلتمسون وقف الحرب.
السيناريو ذاته يتكرر اليوم مع إيران بعد أن أثبتت جدارتها وكسرت شوكة الغزاة، فالمعروف هو أن صاحب الطلقة الأولى في العدوان على الجمهورية الإسلامية هو الكيان الصهيوني وأسياده في البيت الأبيض، وهم الذين أعلنوا صراحة أن هدفهم في إيران هو إسقاط النظام والقضاء على البرنامج النووي الإيراني، ولكنهم فشلوا بذلك بل إن عدوانهم الأعمى هذا قد منح الجمهورية الإسلامية فرصة ذهبية ربما لم تكن متاحة لها من قبل لتسريع خطواتها في التصنيع العسكري للطاقة النووية، فإيران قبل هذا العدوان كانت ملتزمة طوعاً باتفاقيات دولية تعمل على تقيد تخصيبها لليورانيوم وتوجهه نحو المسار السلمي تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن بعد تجاوز العدو الخطوط الحمراء وانتهاكه المواثيق الدولية، لم يعد أمام طهران خيار سوى تغيير حساباتها الاستراتيجية؛ فالعدوان حررها عملياً من القيود التعاهدية الزائفة وأزال غطاء الرقابة الدولية المجحف عنها، ومن حقها المشروع بل ومن واجبها الديني والقومي أن تسخر كل إمكاناتها العلمية لامتلاك سلاح الردع النووي لحماية سيادتها وصون استقلالها وقرارها في مواجهة الحرب اليهودية الصليبية عليها وعلى الإسلام والمسلمين، وقد أثبتت الأحداث أن الضمانات الدولية ورقابة الوكالة ليست سوى أدوات هيمنة في يد القوى الاستكبارية.
لقد مثل العدوان “اليهودي الصليبي الجديد” على الجمهورية الإسلامية هدية استراتيجية لها في مجال تعبئة الروح المعنوية للشعب الإيراني، فإيران كانت بحاجة ماسة إلى صدمة وجودية توقظ جيل الشباب الذي لم يعايش مرارة الحروب المباشرة مع العدو الصهيوني والغرب المتغطرس، جيل لم يشهد عن قرب “الحقد اليهودي” و”الغطرسة الصليبية” التي ظلت تنهش جسد الأمة الإسلامية لعقود، هذا العدوان المتجدد أعاد للأذهان جرائم الكيان وواشنطن وأذنابهم في المنطقة في دعم صدام خلال العدوان على إيران، واغتيال العلماء، والحصار الاقتصادي الجائر، فجدد في النفوس ثقافة الجهاد والاستشهاد وقود المقاومة وعماد الصمود، لقد حولت طهران هذا العدوان إلى منصة لصهر الإرادة الوطنية وربط الأجيال الجديدة بجذور الصراع التاريخي ضد قوى الاستكبار، ولا يمكن فصل الانتصار الإيراني عن البعد التقني المتقدم، فإيران كانت بحاجة ماسة إلى ساحة اختبار واقعية لتقييم ترسانتها الصاروخية الهائلة وهي ثمرة عقود من الجهد العلمي تحت الحصار ولا يوجد في العالم مسرح أفضل من سماء الكيان الصهيوني المحمية بأحدث ما أنتجته مصانع الدفاع الجوي الأمريكية والغربية.
لقد كانت الموجات الصاروخية الإيرانية في عمق الكيان الصهيوني بعيدة كل البعد عن العشوائية، بل كانت بمثابة عملية جراحية دقيقة لاختبار الشبكة الصاروخية الإيرانية في ظروف قتال حقيقية ضد أعتى الدفاعات التي تتباهى بها القوى العظمى، صحيح أن بعض الصواريخ تم اعتراضها كما هو متوقع في أي مواجهة بين هجوم ودفاع، ولكن الأهم هو ذلك العدد الكبير من الصواريخ المتطورة والطائرات المسيّرة التي اخترقت كل الحواجب ووصلت إلى أعماق الأراضي المحتلة بدقة مذهلة، لقد أثبتت التقارير الميدانية أن هذه الاختراقات لم تكن محض صدفة، بل كانت نتاج تفوق تقني إيراني في مجال المناورة الجوية وتضليل الرادارات وتطوير رؤوس حربية ذكية، وهذا كله يشكل رسالة استراتيجية واضحة: لقد انتهى زمن الهيمنة التكنولوجية الغربية، وأصبحت إيران قادرة ليس فقط على اختراق “الدرع الحديدية” الصهيونية، بل على تحويل سماء العدو إلى مختبر مفتوح لتطوير قدراتها الردعية، وهذا بحد ذاته إنجاز يضاف إلى سجل الانتصارات المتلاحقة للعقلية العسكرية الإيرانية في مواجهة أعتى التحديات.