ملاجئ الاحتلال.. حين يُجبَر المغتصِبِين على الاختباء
إب نيوز 7 أكتوبر
فهد شاكر أبوراس
لم يعد المشهدُ في أُمِّ الرشراش المحتلّة كما عهده الكَيانُ الصهيوني.
فالمدينةُ التي كانت تُدار كمنفَذٍ بحري جنوبي استراتيجي، تحوّلت اليوم إلى ساحةِ خوفٍ وترقّب، بعد أن بدأت سلطاتُ الاحتلال نصب ملاجئ متنقلة في شوارعها – ارتفاع كُـلٍّ منها 2.40 أمتار، ومساحته المحمية لا تتجاوز 5 أمتار مربعة – في اعتراف صريح بأن التهديد لم يعد نظريًّا، بل واقعٌ يُطرق الأبواب من بعيد، من دولة لا حدودَ برية تربطها بالكيان، لكنها استطاعت أن تُدخله في دوامة الردع.
هذا التحوّل ليس وليد لحظةٍ عابرة، بل حصيلة أكثر من عشرين شهرًا من عمليات عسكرية يمنية ممنهجة، دعمًا للشعب الفلسطيني، وردًّا على جرائم الاحتلال المتواصلة في غزة والضفة.
ما بدأ كضربات رمزية تحوّل إلى استراتيجية شاملة قلبت موازين القوى، وأجبرت الكيان – الذي طالما ادّعى التفوق العسكري المطلق – على اتِّخاذ إجراءات دفاعية لم يسبق له اللجوء إليها في تاريخه الحديث.
اللافت أن هذا التحوّل لم يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل امتد ليضرب في العمق الاقتصادي والديمغرافي للكيان.
فميناء أم الرشراش، الذي كان شريانًا حيويًّا للتجارة، أُغلق بالكامل أمام الملاحة؛ بسَببِ الحصار اليمني، واعترف رئيسه التنفيذي “غدعون غولبر” بأن الخسائر بلغت 50 مليون شيكل حتى منتصف العام الماضي، ناهيك عن الأضرار غير المباشرة التي طالت قطاعات حيوية أُخرى.
كما توقفت أكثر من 30 شركة طيران عالمية عن تسيير رحلاتها إلى مطار “اللد”؛؛ ما أَدَّى إلى شللٍ شبه كامل في حركة السياحة والاستثمار، وعزلةٍ دولية متزايدة.
الأكثر إيلامًا للكيان أن العمليات اليمنية بدأت تُحدث هجرة عكسية بين المستوطنين؛ إذ غادر نحو 82 ألفًا و700 مستوطن في عام 2024، معظمهم من الأسر الشابة – عماد الاقتصاد الصهيوني – في حين انخفضت أعداد المهاجرين اليهود بنسبة 31 % مقارنة بالعام السابق.
هذه الأرقام ليست مُجَـرّد إحصائيات، بل مؤشرات على أزمة وجودية تطال البنية الديمغرافية التي بُني عليها الكيان منذ نشأته.
وتأتي الضربة الأحدث – بإطلاق صاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي، الذي يبلغ مداه 2150 كيلومترًا وسرعته 16 ماخ – لتُثبت أن القدرات العسكرية اليمنية لم تعد محل شك؛ فالصاروخ، المصنوع محليًّا، والقادر على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية، أصاب هدفه في القدس المحتلّة بدقة، وأثار حالة هلع واسعة أجبرت المستوطنين على التزاحم في الملاجئ.
وهو ما يعكس تطورًا استراتيجيًّا في برنامج التسليح الوطني اليمني، ويؤكّـد أن الردع لم يعد حكرًا على القوى الكبرى.
العميد يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، لم يكتفِ بالإعلان عن نجاح العملية، بل أكّـد أن اليمن ماضٍ في عملياته ضد الكيان الصهيوني ما دامت جرائمه ضد الفلسطينيين مُستمرّة.
وهذا ليس تهديدًا فحسب، بل وعدًا يُنفَّذ على الأرض، يومًا بعد يوم.
ما يجري في أم الرشراش اليوم ليس مُجَـرّد إجراء دفاعي تقني، بل هو اعتراف ضمني بأن الأمن الإسرائيلي لم يعد “حصنًا منيعًا”، وأن الكيان الذي كان يهدّد الجوار ويُملِي شروطه، بات اليوم يُجبر على الاختباء تحت ملاجئ متنقلة، خوفًا من صواريخ تأتيه من جنوب الجزيرة العربية.
هذه المفارقة وحدها كفيلة بأن تُعيد قراءة كُـلّ المعادلات الإقليمية.
الكيان الصهيوني لم يعد يواجه جبهة واحدة في غزة، بل جبهات مفتوحة على كُـلّ الاتّجاهات، وأخطرها – من منظوره – تلك التي لا يمكنه التنبؤ بها أَو احتواؤها بسهولة: جبهة اليمن.
ففي حين تتصدّع “القبة الحديدية” أمام صواريخ محلية الصنع، ويتآكل جيش الاحتياط، وتتراجع الهجرة اليهودية، يزداد وعي العالم بأن المقاومة لم تعد مسألة مكان، بل إرادَة.
وما نصب تلك الملاجئ في أم الرشراش إلا حلقة في سلسلة يأسٍ طويلة يعيشها الكيان، أمام “عاصفة يمنية” حوّلت -بفضل الله، وبإرادَة قيادةٍ وشعبٍ صامدينَ- التهديد إلى واقع، والكلام إلى فعل، والفعل إلى ردع.
اليمن اليوم لا يُطلق صواريخ وطائرات مسيَّرة فحسب، بل يُعيد تعريف مفاهيم القوة والضعف في المنطقة.
وهو يُذكّر الجميع بأن الحق، مهما طال ليله، لا يُهزم، وأن المقاومة، مهما بدا ضعفها، قادرة على قلب الطاولة حين تُراد لها الإرادَة.