لبنان: منطق القوة اللغة الوحيدة.. مقاربة نقدية لخطاب التسوية مع العدو

إب نيوز ٢٢ نوفمبر

فهد شاكر أبوراس

البُوصلة التي أشار إليها العمادُ عون نحوَ طريق التسوية مع عدوِّ لا يعترف إلا بمنطق القوة، هي طريق مسدود.. فهذا الكَيان الذي تأسس على أنقاض شعب وآماله، وتغذى على دماء المهجَّرين والمشرَّدين، لم يكن في أي لحظة من لحظات تاريخه كيانًا طبيعيًّا منفتحًا على السلام، بل كان ولا يزال مشروعًا استعماريًّا توسعيًّا قائمًا على فكرة الإحتلال والتفوق.

فمن يقرأ مشروع نتنياهو بكل ما يحمله من عنجهية استيطانية وإعلاء لسياسة الأمر الواقـع، بل من يعود إلى جذور هذا الكيـان الذي قام على تدمير القرى وطرد أهلها وإقامة المستعمرات مكانها، يدرك أننا أمام عقلية لا ترى في الأرض سوى ملكية مفترضة، ولا ترى في الإنسان الفلسطيني أَو اللبناني سوى عائق أمام مشروعها التوراتي الوهمي.

إنه كيان لا يفهم لغة الحوار، ولا يؤمن بسلام يقوم على العدل والمساواة؛ لأَنَّه ببساطة مشروع قائم على نفي الآخر وإلغائه.

وهذا ما تؤكّـده ممارساته اليومية من استمرار في احتلال الأراضي، وتهجير أهلها، وتدمير المدن والقرى، وتحدٍّ سافر لكل قرارات الشرعية الدولية، وكأنه يقول للعالم أجمع: إن قوته هي شرعيته، وإن منطق القوة هو اللغة الوحيدة التي يتقنها.

وفي ظل هذه المعادلة، فَــإنَّ عقلية الهيمنة هذه لا ترى في المبادرات السلمية سوى ضعفًا، ولا تفهم العروض التفاوضية إلا على أنها تنازلات يجب الاستفادة منها لانتزاع المزيد.

فكل خطوة تفاوضية دون سند من القوة والمقاومة تتحول إلى ورقة ضغط لصالح العدوّ، وكل مبادرة تُقدَّم من طرف يعاني من انقسام داخلي أَو ضعف في المواقف تتحول إلى أدَاة لتفكيك الجبهة الداخلية وانتزاع الاعتراف بالهيمنة.

لذلك فَــإنَّ طرح مبادرات تجاه طرف يعتدي باستمرار، وينتهك السيادة يوميًّا، ليس فقط ضربًا من العبث، بل هو خطير؛ لأَنَّه يرسل رسالة خاطئة بأن ثمة مجال للتراجع عن الحقوق، أَو أن هناك إمْكَانية لاستعادة الأرض والكرامة من خلال طرق الدبلوماسية وحدها.

بينما التاريخ والواقع يشهدان أن هذا العدوّ لا يتراجع إلا تحت وطأة المقاومة والردع.

فما استُعيد من أراضٍ في لبنان، وما حُفظ من كرامة في غزة، كان بفضل البندقية والصاروخ، لا حول طاولة المفاوضات.

إن المطلوب لبنانيًّا، في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة، ليس طرح مبادرات تستجدي السلام من جلاد، بل هو التحضير لمواجهة ذلك المشروع التوسعي التدميري بكل ما يتطلبه من إرادَة صلبة ووحدة وطنية لا تتزعزع.

المطلوب هو توحيد كُـلّ الجهود، وتكريس كُـلّ الإمْكَانيات، لدعم قدرة اللبنانيين على الصمود والتصدي، سواء على خطوط التماس في الجنوب أَو في الدعم اللوجستي والمالي والمعنوي للمقاومة، وتعزيز ثقافتها في الوعي الجمعي، ليس كخيار عسكري فحسب، بل كخيار ثقافي ووجودي يرفض الذل ويؤمن بالحرية، كمنهج حياة يستلهم من تراب الأرض قدسيتها، ومن دماء الشهداء شرعية الاستمرار.

فالتاريخ لم يرحم يومًا الضعفاء، ولم تنل الأمم استقلالها الحقيقي إلا حين أدركت أن حرية الأرض لا توهب، بل تنتزع انتزاعًا، وأن الكرامة لا تُمنح، بل تُكتسب بالدم والتضحيات.

والجنوب اللبناني، بدمائه وتضحياته، قد رسم الطريق بوضوح؛ فإما المقاومة والكرامة، وإما الاستسلام والضياع.

لقد أثبتت مسيرة المقاومة أنها الخيار الوحيد الذي يحفظ لبنان من التمزق، ويحمي سيادته من الاندثار.

فما كان ليكون للبنان هذه الهيبة في المحافل الدولية، ولا هذه القدرة على تحدي المشاريع التقسيمية، لولا وجود رجال آمنوا بالبندقية كطريق للتحرير، ورفضوا أن يكونوا حراسًا لحدود مزورة فرضها العدوّ.

لذلك، فَــإنَّه لا بديل عن خيار المقاومة الذي حمى لبنان، وسيحميه؛ لأَنَّه الخيار الذي ينبع من إرادَة شعب قرّر أن يكون سيدًا على أرضه، لا عبدًا عليها.

وهو الخيار الذي يجعل من كُـلّ مواطن حارسًا للوطن، ومن كُـلّ بيت حصنًا منيعًا في وجه العدوان.

إنه المشروع المتكامل الذي يجمع بين القوة في المواجهة، والوحدة في الصف، والعدالة في المطلب.

وهو المشروع الذي يحول دون تحقيق أحلام العدوّ التوسعية، ويحفظ للبنان هويته العربية الأصيلة، ويرسخ مكانته كمنارة للحرية والمقاومة في وجه كُـلّ مشاريع الهيمنة والتبعية.

فالمقاومة ليست مُجَـرّد رد فعل على عدوان، بل هي مشروع وجودي يضمن استمرارية الأُمَّــة وهُويتها.

وهي الضمانة الحقيقية ضد أي محاولة لطمس الحقوق أَو التفريط بالثوابت.

وهي التي تعيد للأُمَّـة اعتبارها، وتثبت أن إرادَة الحياة عندما تتجسد في شعوب مؤمنة بقضيتها، عازمة على نيل حقوقها، فَــإنَّها أقوى من كُـلّ دبابة وكل طائرة؛ لأَنَّها إرادَة مستمدة من عدالة القضية، وتاريخ الأرض، ودماء الشهداء، وكل عناوين البطولة التي لا تموت.

You might also like