عطوان : حالة اللاسلم واللاحرب الراهنة في الخليج لا تصب في مصلحة ايران ولهذا لا نستبعد مفاجآت اكثر خطورة من احتجاز ناقلة او اسقاط طائرة مسيرة.. كيف وصلنا الى هذا الاستنتاج؟ اليكم الإجابة

عبد الباري عطوان

يصعب علينا ان نفهم حالة السعار التي تتلبس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتنعكس في هوسه بتشكيل تحالف من ستين دولة لضمان امن الملاحة في مضيق هرمز، فمياه الخليج تزدحم بناقلات النفط من كل الجنسيات باستثناء النفط الإيراني الذي تراجعت كميات صادراته الى حوالي 200 الف برميل بعد ان وصلت الى اكثر من 2.5 مليون برميل يوميا.

مسؤولية تأمين الملاحة في مضيق هرمز، او في مياه الخليج تقع على عاتق الدول المطلة عليه، أي الدول العربية الخليجية وايران، اللهم الا كان الرئيس الأمريكي يريد توريط المنطقة والعالم في حرب جديدة، يعد ان فشلت كل ضغوطه وحصاراته في تركيع ايران وجرها الى مائدة المفاوضات وفق شروطه.

*

المستشارة الألمانية انجيلا ميركل كانت شجاعة وجريئة عندما رفضت التجاوب مع الدعوة الامريكية هذه، وأبدت تحفظات عليها، ونأت بنفسها وحكومتها عنها لأنها لا تثق بخطوات الرئيس ترامب المتهورة، وتخشى من اخطارها، ولهذا اكد البيان الرسمي الصادر عن حكومتها تمسكها بالخيار السلمي لتسوية الازمة في الخليج، لان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني هو الذي يقف خلف التوتر الحالي في المنطقة، وألمانيا كانت من الدول العظمى الست التي وقعته، وما زالت تتمسك به.

الرد الإيجابي الوحيد لدعوة الرئيس ترامب لإقامة هذا التحالف جاء حتى الآن من بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، الذي يعتبر الرئيس الامريكي الاب الروحي للعنصرية الغربية الجديدة التي تروج للعرق الأبيض، بطريقة مماثلة للعقيدة النازية.

لا نعتقد ان الصبر الإيراني على الحصار الأمريكي بلا حدود، والشيء نفسه يقال عن سياسية الامر الواقع التي تريد واشنطن فرضها على ايران محاكاة للنموذج الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهضبة الجولان المحتلين، ولا نستبعد ضربات او تحرشات من الحرس الثوري الإيراني، او اذرعه العسكرية التي يشكل حاضنتها، لكسر هذا الجمود، ومنع استمراره.

المسؤولون الإيرانيون يؤكدون في كل المناسبات انهم لا يريدون الحرب، ولن يكونوا البادئين في اشعال فتيلها، ولكن اذا انفجرت فان الرد سيكون مزلزلا على القواعد الامريكية في منطقة الخليج، والاهداف الحيوية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.

اسقاط طائرة مسيرة أمريكية بصاروخ إيراني، واحتجاز سفينة بحرية بريطانية في عرض الخليج، وسحبها من وسط عدة سفن بحرية أمريكية مدججة بالأسلحة والصواريخ، والدعم العلني المتصاعد لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، و”انصار الله” في اليمن، بالسلاح والمال، هو تسخين للحرب، ورسائل يجب ان تؤخذ يعين الاعتبار بأن الإيرانيين لن يستمروا طويلا في سياسات ضبط النفس الحالية، خاصة ان الحصار الاقتصادي بدأ يعطي نتائج كارثية على المواطنين الايرانيين، وما وقف التعامل بالريال الإيراني واحلال “التومان” مكانه، وارتفاع نسبة التضخم الى ارقام قياسية (48 بالمئة حاليا) الا بعض الأمثلة في هذا الصدد.

ترامب يريد استخدام هذا التحالف البحري لحلب المزيد من المليارات من دول الخليج، فالعبارة الأكثر ترددا على لسانه هي التي تقول “لا حماية أمريكية مجانية بعد اليوم وعلى دول الخليج العربية ان تفتح خزائنها وتدفع ثمن حمايتها”.

*

شهر آب (أغسطس) الذي بدأ اليوم الخميس ربما يكون الأكثر سخونة سياسيا وعسكريا، الى جانب السخونة المناخية في منطقة الخليج، ومثلما فوجئنا بإسقاط الطائرة الامريكية المسيرة، واحتجاز السفينة البريطانية كرد على احتجاز الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق، سنفتح اعيننا على مفاجآت اكثر خطورة من الأولى.. والله اعلم.

You might also like